x قد يعجبك أيضا

فتنة ديليسبس تطل من جديد

الإثنين 8 ديسمبر 2025 - 6:55 م

منطق قلب الحقائق يبدو أنه يتوسع وسط قطاع من أبناء بورسعيد، الذين شن بعضهم فى الأيام الأخيرة حملة هجوم على الكاتبة الكبيرة وابنة المدينة الباسلة، سكينة فؤاد، وصلت حد التطاول، لا لشىء سوى أن السيدة الفاضلة ترفض عودة تمثال النصاب الدولى فرديناند ديليسبس إلى بورسعيد، بعد نقله فى أكتوبر 2020 من المدينة مطرودًا إلى محافظة الإسماعيلية، ملفوفًا فى ملاءة صفراء لمواراته عن العيون خلال رحلته إلى متحف هيئة قناة السويس.

ظن البعض أن نقل تمثال ديليسبس (1805–1894) إلى الإسماعيلية قد وضع حدًا للجدل بل وأطفأ نار الفتنة التى فجّرتها ضغوط «جمعية محبى الاستعمار» لإعادة التمثال إلى قاعدته فى مدخل القناة الشمالى بعد نسفه إبان العدوان الثلاثى على مصر ردًا على قرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عام 1956، بتأميم قناة السويس إلى شركة مساهمة مصرية، لكن يبدو أن حملات الدفاع عن المصالح والمنافع قد عادت من جديد.

وبعد فترة كمون، انحناء للعاصفة الشعبية التى كانت وراء خروج تمثال ديليسبس من بورسعيد، ها هى أصوات محدودة تعاود الكرة مرة أخرى للمطالبة بعودة التمثال، فى تحد للمشاعر الشعبية التى أكدت مرارا أن المدينة الباسلة لا مكان فيها لمن خان الزعيم أحمد عرابى ورفاقه، وأسهم فى وقوع مصر تحت الاحتلال البريطانى عام 1882، قبل طرده عقب ثورة يوليو 1952، وهى جريمة، كما أكدنا مرارا، لا تسقط عن ديليسبس بالتقادم.

 يحاول البعض خلط الأوراق، سعيًا لتحقيق مآرب أخرى، بزعم أن ديليسبس جزء من تاريخ بورسعيد، وأن عودة تمثاله ستجلب المن والسلوى إلى المدينة، وتفتح أبوابًا لحركة سياحية فرنسية قدرها بعض الجهلاء بعشرات الملايين، وكأن تمثال النصاب أهم مما تمتلكه مصر من كنوز أثرية لم نتمكن حتى اليوم من ترويجها ليصبح زوارها بعشرات الملايين!

يحاول هؤلاء طمس الحقائق وتزوير التاريخ بل وإنكار دور ديليسبس فى نظام السخرة الذى دفع ثمنه نحو 56 ألف عامل مصرى، طبقًا لبعض المصادر، ويلجأون إلى قصاصات ورق قديمة لصحيفة نشرت تمجيدا للنصاب الدولى!

وكلما تفجر الجدل بشأن تمثال ديليسبس أعود لنقاش ممتد بينى وبين الدكتور أحمد الصاوى أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة و ابن بورسعيد للتذكير بالأسباب التى تقف وراء حملة إعادة التمثال، والضغوط التى يمارسها البعض فى هذا الاتجاه.

يقول الدكتور الصاوى: «ما حدث أن هناك ضغطا من جمعية أصدقاء قناة السويس وهى جمعية فرنسية تابعة لإحدى شركات الطاقة التى أسستها حملة أسهم الشركة العالمية لقناة السويس بعد تأميمها وتسوية التعويضات، وهذه الشركة تستخدم جمعية فى بورسعيد أشبه بجمعية صداقة مصرية فرنسية على المستوى المحلى كمنبر للضغط من أجل إعادة نصب تمثال ديليسبس».

ويشير الصاوى إلى أن الحملة الأخيرة منسقة، ووراءها دعم مالى وفنى وعملية تكثيف للنشر (خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى) ومهاجمة أى اعتراض على إعادة التمثال، ولأن هؤلاء يفتقدون وجود أى شخصية معروفة بينهم يسعون لإسكات الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد لأنها علم وصوتها مسموع فى بورسعيد.

سألت الدكتور الصاوى: «لماذا يصر أبناء بورسعيد على رفض عودة تمثال ديليسبس؟ أليس للرجل الفضل فى حفر القناة؟» فقال إن الإصرار على رفض عودة التمثال نابع من كون صاحبه شخصا غير جدير بالتكريم بشكل إنسانى مطلق، فهو مدان بمحاولة رشوة النواب الفرنسيين وارتكاب جريمة النصب وحكم عليه جنائيا فى فرنسا، واحتراما للقيم الإنسانية لا يجوز نصب تمثال له».

وفى الختام نكرر: إن ديليسبس لا يستحق أى تكريم يعيده إلى الواجهة، مقابل أوهام بعض المنتفعين بالحصول على فوائد سياحية واقتصادية، فأبناء بورسعيد يدركون جيدا أن الكرامة الوطنية أثمن من «حفنة دولارات».

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة