x قد يعجبك أيضا

أهم تكنولوجيا فى الغد القريب ليست الذكاء الاصطناعى

الجمعة 21 نوفمبر 2025 - 6:40 م

ما التكنولوجيا التى لها التأثير الأكبر على حياتنا؟
هل يمكن التنبؤ بمستقبل التكنولوجيا حتى وإن كان القريب؟
من المتحكم المتوقع فى تكنولوجيا الغد؟


قد يستنتج القارئ الكريم أن المقال يقصد الذكاء الاصطناعى الذى تحدثنا عنه فى مقالات عديدة فى السابق، والذى أصبح حديث الساعة بين العامة ورواد الأعمال، لكن ما سنتحدث عنه ليس هو الذكاء الاصطناعى، بل تكنولوجيا ذات تأثير قوى على مختلف المجالات بما فيها الذكاء الاصطناعى. لكن قبل أن نتحدث عن تلك التكنولوجيا دعنا نتحدث عن بعض التكنولوجيات المهمة فى حياتنا.
• اكتشاف العقاقير والأمصال الطبية والكثير من العلاجات يحتاج إلى نظم محاكاة متقدمة لدراسة التأثيرات والتركيبات الكيماوية وتفاعلها مع الجسم، إلخ.
• التنبؤ بحالة الطقس والعواصف والزلازل وما شابه يحتاج إلى نظم محاكاة دقيقة لطبقات الغلاف الجوى، إلخ.
• دراسة الاندماج والانشطار النووى تحتاج إلى نظم محاكاة دقيقة جدا على الحاسبات.
• أغلب أنواع الصناعات مثل صناعة السيارات والطائرات والقطارات تحتاج إلى نظم محاكاة لتصميم شكل السيارة مثلا الذى يقلل من مقاومة الهواء، وتصميم أجهزة الدفع التى تستهلك طاقة أقل مع كفاءة أعلى، إلخ.
هذه القائمة يمكن أن تمتد لتشمل تقريبا جميع مناحى الحياة، التى بدونها تصبح الحياة على كوكب الأرض أصعب كثيرا للجنس البشرى. هناك كلمة تكررت فى كل نقطة من تلك القائمة وهى كلمة «المحاكاة» (simulation). المحاكاة هى تصميم برمجيات لدراسة ظاهرة طبيعية مثل المناخ أو التفاعلات الكيميائية. ويجدر بنا هنا أن نعرف أن هناك خطوة قبل المحاكاة، وهى كيفية بناء نموذج لما نريد محاكاته داخل الحاسبات. مثلا: إذا تكلمنا عن الطقس، فما المعادلات التى نستخدمها؟ وما العوامل التى نأخذها فى الاعتبار وتلك التى نهملها؟ هذا السؤال الأخير قد يبدو مفاجئا، لأن كلمة «إهمال» قد تعنى نتيجة خاطئة. يجب أن نعرف أنه من المستحيل (حتى الآن) بناء نموذج داخل برمجيات الحاسبات يأخذ كل عوامل الطبيعة فى الاعتبار وبدقة. الطبيعة متشابكة مترابطة شديدة التعقيد، ونحن لا نفهم كل شىء بدقة عنها، كما أن أجهزة الحاسبات ليست بالقوة الكافية لأخذ كل شىء فى الاعتبار، لذلك يجب إهمال بعض العوامل أو تبسيطها حتى نتمكن من بناء النموذج. هذه الخطوة تسمى «النمذجة» (modeling)، وهى تسبق المحاكاة. أدعو القارئ الكريم لمراجعة مقال سابق لكاتب هذه السطور بعنوان «المحاكاة: هل تنقذ العالم؟» بتاريخ 17 نوفمبر 2023.
كل التخصصات العلمية، منها والإنسانية، يمكنها أن تستفيد من نظم المحاكاة، لكن تلك البرمجيات تحتاج إلى أجهزة حاسبات فائقة السرعة، وتطويرها هو تكنولوجيا الغد التى تعمل من وراء الستار. الكل يتحدث عن الذكاء الاصطناعى لأنه فى الواجهة، لكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى نفسها تحتاج إلى الحاسبات فائقة السرعة، كما ذكرنا من قبل فى مقالات عدة. وفى الوقت نفسه، ومنذ وقت ليس بالبعيد، بدأ الباحثون يستخدمون الذكاء الاصطناعى فى تطوير نظم المحاكاة وجعلها أكثر دقة وسرعة فى آن واحد. لذلك فإن تطوير الحاسبات فائقة السرعة هو من أهم دعائم المستقبل لأنه يؤثر على جميع التكنولوجيات الأخرى، بل وعلى جميع مناحى الحياة، لكن من وراء الستار كما قلنا.
لكن كى نضمن أن التكنولوجيا تسير إلى الأمام بخطى ثابتة، يجب أن نعرف ما العوامل المتحكمة فى التقدم التكنولوجى.

 


• • •
العوامل المتحكمة فى التقدم التكنولوجى
هناك عدة عوامل قد تساعد أو تعوق التقدم التكنولوجى:
• الحروب: عند وجود حروب ينشط البحث العلمى والتطور التكنولوجى فى بعض المجالات (التى تساعد فى الحرب)، على حساب المجالات الأخرى. ذلك التقدم التكنولوجى عادة ما يُستخدم فيما بعد فى أوقات السلم.
• المعرفة العلمية: التكنولوجيا هى تحويل معرفة علمية إلى منتج أو خدمة، فإذا كانت تنقصنا المعرفة العلمية فى بعض الأفرع فذلك سيؤثر سلبا على تطور بعض التكنولوجيات التى تعتمد على تلك المعرفة. حاليا هناك مشكلة علمية عويصة تواجه تصميم الحاسبات فائقة السرعة بتكاليف معقولة، وقد ناقشنا هذه النقطة فى مقال سابق بعنوان «أجهزة الحاسبات ستواجه مشكلة قريبًا» بتاريخ 16 مايو 2025.
• الاقتصاد: تطوير التكنولوجيا يحتاج إلى تمويل، فما لم يكن هناك مردود لهذا التطوير فلن يوجد التمويل. لذلك حالة السوق، وأولويات الدول، وحالة الاقتصاد عامة تؤثر على التطور التكنولوجى. لكن أولويات الدول قد تعتمد على معلومات منقوصة؛ فمثلا بعض الدول تعتبر الحاسبات فائقة السرعة أو حتى استخدامها مجرد رفاهية ليس الآن وقتها.
• التقبل المجتمعى: المجتمع قد يعارض ظهور تكنولوجيا معينة إما لعدم إدراكه لأهميتها، أو لخوفه منها، وبالتالى سيحجم عن استخدامها، مما يؤثر على مردودها الاقتصادى. هذا لا ينطبق على الحاسبات فائقة السرعة لأن المجتمع لا يتعامل معها مباشرة، لكنه يتعامل مع تأثيرها المتمثل فى برمجيات الذكاء الاصطناعى، وخدمات الحكومة الإلكترونية، وصناعة الأدوية، والتنبؤ بالطقس، إلخ.
مع أخذ كل تلك العوامل فى الاعتبار، ماذا نتوقع فى الغد؟

 


• • •
ما نتوقعه فى الغد القريب
مع انتشار برمجيات الذكاء الاصطناعى بين العامة والخاصة، ومع الاستخدام الكثيف لنظم المحاكاة فى معامل الأبحاث لمختلف التخصصات تقريبا، نتوقع الآتى:
• زيادة فى بناء الحاسبات فائقة السرعة لتقوم بدورين: مراكز للمعلومات (data centers) مثل الخدمات الرقمية التى تقدمها الحكومات للشعوب، والحاسبات الخارقة (supercomputers) التى تقوم بتشغيل نظم المحاكاة وبرمجيات الذكاء الاصطناعى. فى الماضى كان يتم بناء جهازين مختلفين، والآن أصبح هناك تقارب بينهما، وهذا يساعد أيضا على خفض التكلفة.
•  الشركات التكنولوجية الكبرى لن تعتمد على شبكات الكهرباء فى الدول التى تبنى فيها الحاسبات فائقة السرعة، بل ستعتمد على الطاقة النووية: الانشطار النووى فى المستقبل القريب، ثم الاندماج النووى فى المستقبل الأبعد. الطاقة المتولدة من الاندماج النووى أكثر وأقل ضررا إشعاعيا من تلك المتولدة من الانشطار، لكنها تحتاج درجات حرارة عالية جدا لا يمكن توفيرها بسهولة الآن.
• الاهتمام بلغات البرمجة المستخدمة فى تلك الحاسبات العملاقة، وهى مختلفة عن لغات البرمجة العادية.
• ستزداد الفجوة التكنولوجية اتساعا بين الدول النامية والمتقدمة، لأن الدول النامية بحكم الصعوبات الاقتصادية التى تواجهها تحتاج نتائج ذات مردود اقتصادى سريع جدا، بينما مردود بعض الأبحاث المتعلقة بالحاسبات العملاقة يحدث على عدة سنوات.
• • •


التكنولوجيا الأهم فى حياة الناس هى التى تعتمد عليها باقى التكنولوجيات، حتى ولو لم يشعر بها الناس لأنها تعمل من وراء الستار.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة