x قد يعجبك أيضا

أرض جوفاء.. الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلى

الإثنين 8 ديسمبر 2025 - 6:55 م

"أيا يكون مالك الأرض فهى له من أعماقها حتى ذرى سماها» هذه العبارة الموحية وضعها إيال وايزمان كعبارة استهلالية لكتابه شديد الأهمية «أرض جوفاء».. الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلى.

الكتاب أهدانى إياه المهندس إبراهيم المعلم، ورغم أنه صادر عام 2007 لكن طبعته العربية صدرت عام 2017 عن كل من «الشبكة العربية للأبحاث والنشر» و«مدارات للأبحاث والنشر»، بترجمة باسل وضفه، لكن جوهره لم يتغير بل صار مهمًا لكل من يريد أن يتعرف على جوهر المشروع الصهيونى، وهو ابتلاع كامل أرض فلسطين، بل والمنطقة بتصفية القضية الفلسطينية.

ويزيد من أهمية الكتاب أنه يجعلنا نفهم بصورة أوضح حقيقة وأهداف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الذى بدأ فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ولم يتوقف عمليًا حتى الآن، رغم اتفاق وقف إطلاق النار فى ١٠ أكتوبر الماضى.

حينما بحثت عن تعريف الكاتب وخلفيته السياسية، وجدت أنه مهندس معمارى وباحث أكاديمى، ولد عام ١٩٧٠ فى مدينة حيفا ودرس العمارة فى لندن، وهو مؤسس ومدير وكالة بحثية استقصائية تستخدم العمارة والتحقيق المكانى والمرئى لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، ومعظم دراساته تركز على العلاقة بين العمارة والسياسة والاستعمار، وبالتالى فأهمية الكتاب أنه يعد دراسة نقدية معمقة لكيفية استخدام العمارة والتخطيط العمرانى والبنية التحتية والفضاء من قبل إسرائيل كأداة للسيطرة على الفلسطينيين، أى أن التصميم العمرانى يتحول إلى سلاح وظيفى فى سياق الاحتلال.

المؤلف يستخدم بمهارة تخصصه فى الجغرافيا المكانية لفضح ممارسات السيطرة والتمييز، خصوصًا أنه ليس فقط باحث وأكاديمى لكنه يستخدم التحقيقات الميدانية ويوثق من خلالها انتهاكات حقوق الإنسان، هو ليس مجرد مهندس أبنية، بل هو مفكر نقدى يدرس كيف يمكن استخدام القضاء والعمارة فى سياسة القمع والسيطرة والاحتلال.

فى الغلاف الخلفى لهذا الكتاب جاءت الكلمات الآتية: «من أنفاق غزة إلى الفضاء المعسكر من المناطق المحتلة يكشف إيال وايزمان عن ميكانيزمات السيطرة الإسرائيلية التى تحول القرى والبلدان والطرق الفلسطينية إلى خديعة تكون فيها المعالم الطبيعية والمبنية فى خدمة الغايات العسكرية".

فى هذا الكتاب يرصد وايزمان تطور هذه الاستراتيجية بدءا من تأثير الأركيولوجيات فى التخطيط المدنى وإعادة صياغة مفهوم الدفاع على يد أرئيل شارون خلال حرب ١٩٧٣ ثم عبر تخطيط المستوطنات وطرزها المعمارية، وصولا إلى الخطاب الإسرائيلى بتنفيذ الحرب المدينية والاغتيالات الموجهة من الجو.

كتاب أرض جوفاء يكشف عن طبيعة النظام السياسى الإسرائيلى المتمثلة فى هذا المشروع المعقد والمفزع القائم فى أواخر العصر الكولونيالى «الاستعمارى الحديث».

الكتاب يحتوى على تسعة فصول وملحق ومراجع متعددة كثيرة، هناك مقدمة عنوانها «معمار التخوم»، ثم فصل استهلالى بعنوان ١٩٦٧ واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وبدء عملية الاستيطان التى لم تترك من فلسطين التاريخية إلا أقل من ٢٢٪ من مساحتها الإجمالية.

الفصل الأول عنوانه «تحجير القدس» والثانى عن «تحصينات.. الهندسة المعمارية لأرئيل شارون، والثالث عن «مستوطنات معركة حول أعالى التلال»، والرابع عن «مستوطنات.. عمران بصرى» والخامس عن «نقاط التفتيش والسيادة المشطورة والمرآة ذات البعد الواحد»، والسادس عن «الجدار.. أرخبيل الحواجز والسياسة المستحيلة للفصل»، والفصل السابع عنوانه: «حرب مدينية.. السير عبر الجدران»، والثامن «إخلاءات ــ تحرير العمارة»، والتاسع عنوانه «اغتيالات موجهة.. احتلال من الجو».

عدد صفحات الكتاب ٤٣٠ صفحة ولكى نوفيه حقه من المناقشة فهو يحتاج إلى أربعين أو خمسين مقالا، وليس مجرد مقال عدد كلماته لا تزيد على 550 كلمة.

لكن إذا جاز لى النصح فإننى أدعو كل مهتم بفلسطين والاحتلال الصهيونى أن يقرأ هذا الكتاب بقلم كاتب وأكاديمى إسرائيلى رفض أن يميت ضميره.

إسرائيل تبذل كل جهدها بدعم أمريكى مفتوح من أجل تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، لكنها فشلت حتى هذه اللحظة، بسبب تمسك الفلسطينيين بأرضهم، حتى لو كانت أنقاضًا وركامًا، وكذلك الرفض المصرى الصارم لمخططات التهجير.

ربما لو كنا قد قرأنا نحن العرب وخصوصًا المقاومة الفلسطينية هذا الكتاب بتمعن، منذ صدوره لأول مرة، ما اندهشنا مما فعله العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة لمدة عامين متواصلين، والآن على الضفة الغربية، وربما لفكرنا فى طرق إضافية وإبداعية للمقاومة بدلا من توفير الذرائع لإسرائيل كى تعيد القضية عشرات السنوات إلى الوراء.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة