حروب إسرائيل وآفاقها
الإثنين 8 ديسمبر 2025 - 7:08 م
يمكن توصيف الوضع الحالى فى الحروب الإسرائيلية المستمرة من جبهة غزة إلى جبهة جنوب لبنان مرورا بالضفة الغربية التى تخضع لحرب من نوع آخر منخفضة الوتيرة، وبشكل متقطع من طرف المستوطنين، بالتعثر والضبابية فيما يتعلق بمحاولات وقفها وليس بالضرورة إنهائها. يبدو أن التعثر هو أفضل ما يمكن قوله لوصف البدء بالمرحلة الثانية من خطة ترامب لوضع حد للحرب على غزة. من أهم نقاط الخلاف تعريف المهام الموكلة لقوة الاستقرار الدولية الموقتة؛ هل ستكون لحفظ الاستقرار كما يفترض بعد انسحاب إسرائيل من القطاع أم كما تدعو إسرائيل لنزع سلاح حماس «وتنظيف» القطاع من السلاح وإقامة وضع أمنى جديد بالشروط الإسرائيلية؟. أمر ترفضه الدول العربية والإسلامية المدعوة للمشاركة فى هذه القوة. دور هذه القوة كما تؤكد إليه الدول المشار إليها هو تولى الأمن والحفاظ على الاستقرار مع الانسحاب الكلى للجيش الإسرائيلى وليس أن تكون بمثابة «شرطة» لتنفيذ الشروط الإسرائيلية. إقامة خط أصفر إسرائيلى يقسم القطاع إلى منطقة شرقية يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى ومنطقة غربية صار المطروح عمليا من طرف إسرائيل. الأمر الذى يعنى خلق وتكريس واقع جديد قوامه تكريس احتلال إسرائيل لجزء من القطاع ودفع السكان للقدوم إليه من خلال الأعمال الحربية على أن تأتى المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة المحتلة من طرف إسرائيل.
خلاصة الأمر انسحاب جزئى وإعادة تقسيم القطاع وتعزيز هذه الأوضاع من خلال قدوم المساعدات إلى هذه "المنطقة المستقرة" أى التى ستكون مستقرة فيما المنطقة غرب الخط الأصفر ستبقى فى وضع حرب استنزاف مفتوحة. ويبدو أن كلام الرئيس الأمريكى عن الانتقال من النقطة ١٥ فى مبادرته لوقف الآخر فى غزة إلى النقطة ١٧ يندرج عمليا فى هذه المقاربة.. الأمر الذى يعنى تنفيذ منفرد أو أحادى لخطة السلام، إذا ما رفضت حماس الشروط المطروحة أو عرقلت تنفيذها، وهى شروط تعجيزية، وبالتالى تأمين المساعدات للمناطق «الآمنة»، التى يفترض أن يسلمها الجيش الإسرائيلى إلى قوة الاستقرار الدولية. الأمر الذى يعنى عمليا على أرض الواقع تقسيم غزة بين منطقة عدم استقرار ومنطقة «مستقرة» تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية أى منطقة محتلة.
إن إسرائيل تود تكريس احتلال جزء من غزة لإحداث الترتيبات الأمنية التى تراها ضرورية بشروطها ولتكون منطقة عازلة مع غرب «الخط الأصفر» كما قسمت غزة على أرض الواقع وكما تعمل على تكريس هذا الوضع. وقد تصل السيطرة الإسرائيلية إلى حوالى ٦٠ بالمائة من القطاع، وذلك ضمن إطار زمنى مفتوح، مع تداعيات هذا الأمر على أى مسار سيطلق نحو حل الدولتين والذى يزداد صعوبة والبعض يرى استحالة فى ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة وعدم ردعها ووقفها. خلاصة الأمر تعمل إسرائيل على إحداث تغير ديمغرافى يطال جغرافية القطاع من أجل تعزيز سيطرتها المباشرة وغير المباشرة عليه.
فى الضفة الغربية يزداد العنف «المدروس» كما يبدو من طرف المستوطنين للتغيير التدريجى الديمغرافى والجغرافى للوضع الفلسطينى فى الضفة الغربية باتجاه تكريس وتعزيز السيطرة الكلية عليها للتأكيد على ضمها لكونها الهدف الاستراتيجى والعقائدى الأهم لمن هم فى السلطة اليوم. ومن نافل القول التذكير بالتداعيات الخطيرة على دول الجوار، وبالأخص الأردن. خلاصة الأمر أن عملية الضم التدريجى تتسارع على الأرض مع تأجيل الإعلان عن الضم الرسمى الذى يبقى دون أهمية كونه يشكل خرقًا فاضحًا للقرارات الأممية ذات الصلة. ولكن يبقى الهدف لإسرائيل هو تعزيز خلق واقع جديد والفرض على «الآخرين» ــ أيا كانوا ــ التعامل معه لاحقا كحقيقة قائمة.
على صعيد لبنان ما زالت إسرائيل ترفض احترام إعلان وقف الأعمال العدائية الذى تم التوصل إليه، فى ٢٦ نوفمبر فى العام الماضى، ودخل حيز التنفيذ فى اليوم التالى، فيما نشطت إسرائيل فى استمرار حربها تحت عنوان «الاستهداف الاستراتيجى» وكذلك مع احتلال نقاط خمس (تلال تعتبر استراتيجية فى حربها المتوسعة أيضا فى الجغرافيا) وما زال منطق خلق واقع جديد على الأرض قائما ومستمرا. وبلورت إسرائيل أخيرا نظرية استراتيجية جديدة تقوم على مفهوم «السيادة الأمنية» تعمل على تطبيقها من غزة إلى لبنان وسوريا إذ تؤكد على تصميمها على إقامة منطقة منزوعة السلاح من جنوب دمشق حتى جبل الشيخ .
خلاصة الأمر نشهد فى نهاية هذا العام تكريس سياسة القوة الإسرائيلية لخلق واقع جديد على الأرض مع غياب دولى فاضح لوقف هذه السياسات. الأمر الذى سيؤدى إلى مزيد من التوتر مع انسداد أى آفاق فعلية وواقعية للتسوية الشرعية والواقعية، المعروفة عناصرها من كثرة تكرار التأكيد عليها دون توظيف الإمكانات الأكثر من الضرورية لفرض احترامها على إسرائيل. انسداد وتوترات يعززها هذا الانسداد على كل الجبهات. انسداد قابل للتوظيف فى زيادة منسوب التوتر والصراعات المختلفة بمسبباتها ومضامينها فى المنطقة ولو حملت الشعارات ذاتها.
وزير خارجية لبنان الأسبق
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا