سلاح حماس

الإثنين 20 أكتوبر 2025 - 7:00 م

تنطوى المرحلة الثانية من خطة ترامب عشرينية البنود ثلاثية المراحل، بشأن مستقبل غزة على إجراءات من قبيل: نزع سلاح حماس، ومنح العفو لمن يسلم سلاحه من قادتها. مع مواصلة الانسحاب الإسرائيلى المتدرج والمشروط من القطاع، وإرساء حكم جديد فيه بعد الحرب، لا دور للحركة فيه.
يدعى نتنياهو أن حماس اضطرت لقبول الخطة الترامبية، تحت وطأة الضغط العسكرى الإسرائيلى؛ وأنها ستتخلى عن أسلحتها وتقبل بغزة منزوعة السلاح، سواء عبر اتفاق، أو من خلال القوة القاهرة. كما يرى أن نزع سلاح الحركة يتضمن تدابير شتى، أبرزها: تجريدها التام من قدراتها العسكرية، وضع أسلحتها كافة خارج نطاق الاستخدام بشكل مستدام، التأكد من عدم وجود مصانع أسلحة داخل القطاع، وضمان ألا يتم تهريب أسلحة إليه. علاوة على تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والهجومية للحركة، لاسيما الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة والذخيرة، مع إيصاد السبل أمام أية محاولات لإعادة بنائها. على أن تتم تلك الإجراءات تحت إشراف مراقبين مستقلين، وعبر عملية متفق عليها لتفكيكها، ودعم من برنامج إعادة شراء ودمج ممول دوليًا، وقابل للتحقق من قبل أولئك المراقبين، ضمن سياق الآلية الدولية بقيادة الولايات المتحدة. وشدد نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال فى القطاع للضغط على حركة حماس، وحملها على تنفيذ تلك التدابير مجتمعة. وردا على تعليقات القيادى بحماس، محمد نزال، بشأن امتناع الحركة عن تأكيد التزامها بنزع سلاحها، جدد مكتب نتنياهو الإصرار على ضرورة نزع سلاحها، بغير استثناءات أو شروط مسبقة.
يأتى تصميم الاحتلال على نزع سلاح حماس وتفكيك بنيتها العسكرية، فى ثنايا ما يعرف بشروط إسرائيل الأمنية، التى شدد نتنياهو على استحالة التنازل عن تنفيذها، باعتبارها شروطا للانتقال إلى المرحلة التالية من مفاوضات تطبيق خطة ترامب. كذلك، لا يبتعد الأمر كثيرا عن مساعى نتنياهو لتوسل النصر المطلق، الذى عجز عن إدراكه بالقوة العسكرية الباطشة المدعومة أمريكيا. ذلكم الذى ينشد استسلاما مذلا لحماس، تتوارى على إثره فكرة المقاومة الفلسطينية المسلحة إلى غير رجعة.
فيما يعد تدويلا لقضية نزع سلاح حماس أكد ترامب أن إعادة إعمار غزة وإقرار سلام مستدام بها، يستوجبان نزعا لسلاح الحركة والقطاع، مع نشر قوة شرطية دولية لترسيخ السلام وحفظ الأمن. كما هدد حماس بإلقاء سلاحها طوعا، حتى لا يُنزع منها عنوة، عبر السماح لنتنياهو، باستئناف عدوانه الغاشم على غزة. وخلال اجتماعه الوزارى أمس، بحث أعضاء الاتحاد الأوروبى، أكبر المانحين الدوليين للفلسطينيين، تقييم واستكشاف سبل تمويل وتوفير الخبرة اللازمة لنزع سلاح حماس فى غزة. فى الأثناء، اقترح رئيس الوزراء البريطانى، كير ستارمر، اضطلاع بلاده بدور قيادى فى عملية نزع سلاح حماس، استنادا إلى تجربتها مع منظمة الجيش الجمهورى الأيرلندى عام 2005. غير أن تطبيق تلك التجربة بنجاح مع حماس يستوجب ضرورة منحها فرصة للشعور بالظفر مع إيجاد مسار لإعادة تأهيل ودمج أعضائها، بطريقة سلمية، كما حدث فى أيرلندا الشمالية وتجارب أخرى حول العالم. حتى لا يضطروا إلى إعاقة عملية نزع السلاح أو معاودة حيازته واستخدامه. ولعل الرئيس ترامب قد ارتأى فى تصريحه للحركة بنشر عناصرها فى أجزاء من قطاع غزة، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بغرض ملء الفراغ الأمنى الناجم عن الانسحاب الجزئى لجيش الاحتلال، خطوة على هذا الدرب العسير.
حرصا منها على إنجاح اتفاق وقف النار، طرحت مصر معالجة خاصة لمعضلة «نزع» سلاح حماس، تقوم على «تجميد» ذلك السلاح بدلًا من نزعه. فيما اقترح الرئيس محمود عباس تخزين الأسلحة الموجودة لدى الحركة بمستودعات، تحت إشراف وحراسة عناصر السلطة. لاسيما وأن خطة ترامب لم تحدد الجهة التى ستتسلم السلاح بل تحدثت عن لجنة مستقلة. بيد أن تلويح حماس بعدم ممانعتها تسليم سلاحها لجهات مصرية، أو سلطة فلسطينية شرعية تؤسس لدولة فلسطينية قوبل برفض إسرائيلى.
تجنب بيان قبول حماس لخطة ترامب بوقف النار فى غزة أى ذكر لبند «نزع سلاح» الحركة؛ مفضلة إحالة هذا الملف الشائك إلى النقاش، ضمن «إطار وطنى فلسطينى جامع، ستكون طرفا فيه». وتجدر الإشارة إلى أن قضية نزع سلاح حماس إشكالية معقدة، ليس فقط بينها وبين ترامب والإسرائيليين؛ ولكن على مستوى الجدل الاستراتيجى داخل الحركة وبين فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة. حيث أفادت وسائل إعلام دولية، نقلا عن مسئولين مقربين، بفشل قياداتها فى التوصل إلى اتفاق بشأن نزع السلاح، والتمييز ما بين الأسلحة الهجومية الثقيلة، وتلك الدفاعية الخفيفة. فثمة من يقترح تسليم الأولى إلى مصر أو الأمم المتحدة، مع الاحتفاظ بالأخرى. وبينما يصر القادة الميدانيون والمتطوعون الجدد، الذين هدمت بيوتهم وقتل ذووهم جراء العدوان الأخير، على استبقاء السلاح ومواصلة المقاومة؛ يفضل دعاة نزع السلاح إزالة أية ذرائع لاستئناف العدوان الإسرائيلى، بما يفاقم الاحتقان الفلسطينى والدولى حيال حماس وأخواتها.
جدد أسامة حمدان، القيادى بحماس، تمسك الحركة بالسلاح والمقاومة، مشددا على أنّه ليس سلاح حماس وحدها، بل سلاح الشعب الفلسطينى كله. ذلك أن السلاح فى الثقافة الفلسطينية شىء طبيعى، وجزء من تاريخ الحاضر والمستقبل. وفى ظل الاحتلال، فإن موضوع تسليم السلاح يظل غير وارد خارج النقاش، وليس محل تفاوض. وأبدى استعداد الحركة للقتال إذا ما استؤنفت الحرب فى غزة، رافضا خروج قادتها من القطاع بموجب خطة سلام ترامب. بدوره، أعرض القيادى فى حماس، محمد نزال، عن الإجابة على تساؤل بشأن تخلى الحركة عن سلاحها. كما كشف عن رغبتها فى بسط سيطرتها الأمنية على القطاع، مؤكدا أن تسليم السلاح موضوع وطنى ولا يتعلق بحماس وحدها، لاسيما وأن هناك أسلحة بحوزة فصائل مقاومة أخرى. ويبدو أن الحركة ترى أن نزع السلاح يمثل إقرارًا من حركات المقاومة بفشل المشروع المقاوم. وأن تخليها عن سلاحها، يعد تفريطا فى هويتها وحقوقها، التى كفلتها الشرعية الدولية. حيث لا ترى فى خطة ترامب مشروع سلام حقيقيا، بل معادلة استسلام وإخضاع، تُخفِى تحت شعاراتها استراتيجيةً متكاملةً لتفكيك دعائم الصمود الفلسطينى، وتحييد آخر آليات الردع غير المتماثل، فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى.
يتلاقى رفض حماس نزع سلاحها مع إبقاء الأمر ضمن الأطر الوطنية الفلسطينية مع موقف حزب الله اللبنانى حيال ذات القضية. حيث يرفض تسليم سلاحه قبل انسحاب إسرائيل من الأراضى اللبنانية المحتلة، وقف اعتداءاتها، إطلاق سراح الأسرى، مع بدء إعادة إعمار المناطق المتضررة. وبحسب تصريحات أمينه العام، نعيم قاسم، لا يمكن الحديث عن مصيرالسلاح إلا فى إطار استراتيجية دفاع وطنى شاملة. وبينما يعتبر الحزب نزع سلاحه تنازلا عن نفوذه ودوره الإقليمى تخشى حماس خسارة كل شىء بعد تسليم الأسرى الإسرائيليين والتخلى عن سلاحها. خاصة أن الأمر لن يقتصر على غزة فحسب، وإنما سيشمل لبنان. حيث سيتم تسليم سلاح الفصائل الفلسطينية كافة للسلطات اللبنانية، بموجب القرارين الدوليين 1559و1701، بشأن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. فضلا عن مبادرة السلطة الوطنية الفلسطينية لتسليم السلاح الثقيل والمتوسّط، بحوزة الفصائل المسلحة المعارضة لمنظمة التحرير، للدولة اللبنانية.
تشى التجارب التاريخية بأن تسليم سلاح المقاومة لا يضمن بالضرورة حقن الدماء، بقدر ما يسوغ للمحتل مواصلة ارتكاب المجازر. ففى سنة1982، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على تسوية تقضى بخروج مقاتليها من بيروت وتسليم أسلحتهم، لكن ذلك لم يمنع وقوع مجزرة «صبرا وشاتيلا»، التى ارتكبتها ميليشيات موالية لإسرائيل بحق آلاف المدنيين. وفى سنة 1995، سلَّم المدنيون والمقاتلون المسلمون فى البوسنة أسلحتهم بإشراف قوات دولية. غير أن ذلك لم يحل دون حدوث مذبحة سربرنيتسا، حيث قُتل أكثر من 8000 شخص على يد القوات الصربية. واستنادًا إلى تلك التجارب وغيرها؛ ترى حركة حماس أن الإصرار على تسليم سلاحها ليس سوى محاولة لفرض الاستسلام، سحق المقاومة وفرض واقع جديد فى غزة بالقوة.
يبقى مصير سلاح حماس مرتهنا بمآلات صراع الإرادات المحتدم داخل الحركة وأخواتها من جهة؛ وبينهم وبين نتنياهو وترامب على الجهة المقابلة. فبينما يصر الأخيران على استهلال المرحلة الثانية من خطة ترامب بنزع سلاح حماس وإقصائها من إدارة القطاع. تشترط الحركة إتمام انسحاب جيش الاحتلال منه، داعية الوسطاء إلى استكمال تشكيل لجنة الإسناد المجتمعى لإدارته، والشروع فى إعادة إعماره.

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة