فتحت انتخابات مجلس النواب المرتقبة شهية المعارضة باختلاف توجهاتها وتباين أيديولوجياتها وأهدافها، على المشاركة فى العملية الانتخابية التى تبدأ فى الأسابيع المقبلة، تكاد تكون هذه المرة الأولى منذ 2012 التى تشارك فيها جميع الأحزاب والتيارات السياسية فى المنافسة على تشكيل مجلس النواب المقبل.
نرى فى المشهد الانتخابى أحزابًا تخطو تجربتها الأولى فى الانتخابات مثل حزب الدستور، وأحزابًا سبق واختبرت قدراتها فى الانتخابات التى جرت بعد ثورة 2011 من خلال تحالفات انتخابية مع الإخوان المسلمين مثل حزب الكرامة، بينما يعيد اليوم التجربة من جديد لكن بأهداف وحسابات وتحالفات مختلفة منضمًا لتحالف أحزاب اليسار.
غير أنه خلال الأسابيع الماضية فشلت محاولات لم شمل المعارضة فى تحالف واحد تخوض من خلاله الانتخابات، رغم أن الحركة المدنية الديمقراطية التى تضم معظم الأحزاب المعارضة شكلت لجنة انتخابات لتلقى طلبات الترشيح ومناقشتها.
محاولات الوحدة
كانت الحركة المدنية الديمقراطية بدأت استعدادات المشاركة فى الانتخابات مبكرًا، وأوضحت فى بيان لها قبل أكثر من عام نشر استمارة طلب الترشح باسم الحركة، لتكون هذه أول انتخابات تتحرك فيها الحركة ككيان واحد، واختارت الحركة أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد، لتولى مهمة التنسيق لإعداد مشروع البرنامج الانتخابى للحركة المدنية استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة.
عقدت لجنة الانتخابات بالحركة اجتماعًا مساء 26 أغسطس الماضى، ثم أصدر المتحدث الرسمى باسم الحركة، وليد العمارى بيانًا أوضح فيه أن اللجنة حصرت طلبات الترشح التى تلقتها أحزاب الحركة وبلغ عددها ١٤٠ طلب ترشح، والاتفاق على معايير التنسيق بين مرشحى الحركة فى حال وجود أكثر من مرشح للحركة فى نفس الدائرة، وتدشين عدد من اللجان النوعية لدعم مرشحى الحركة المدنية الديمقراطية إعلاميًا وسياسيًا وقانونيًا، وفى انتظار عرض مخرجات الاجتماع على مجلس أمناء الحركة لاتخاذ ما يلزم لوضعها فى حيز التنفيذ.
لم تمض الأمور بشكل طبيعى؛ فباغتنا حزبا الدستور والمحافظين فى 31 أغسطس بضربة لتحالف الحركة المدنية الانتخابى، فالحزبان المؤسسان فى الحركة أعلنا تشكيل تحالف انتخابى مشترك باسم الطريق الحر، لتنته بذلك محاولات الوحدة.
انقسام جديد ومحاولات فاشلة
تتحدث المصادر فى الكواليس عن خلافات فى اجتماعات لجنة الانتخابات بالحركة المدنية، وخلافات بين أحزاب تحت التأسيس حول معايير اختيار المرشحين ودور كل حزب فى تقييم مرشحى الحزب الآخر، وتؤكد مصادر من حزب الدستور أن هذه اللحظة كانت مفصلية لاتخاذ قرار تشكيل تحالف مستقل مع حزب المحافظين.
تعتبر قيادات الحزبين أنهما لم يشقا صف المعارضة، بل يشيرا إلى أن الحركة الجامعة لأحزاب المعارضة الراديكالية مستمرة كمظلة عامة يجرى التنسيق من خلالها، وتستشهد القيادات بتحالف جبهة العدالة الاجتماعية الذى سبق تأسيسه قبل عام ويضم الأحزاب اليسارية والقومية والناصرية فى الحركة.
لكن القياس على تحالف جبهة العدالة الاجتماعية غير صحيح، والاستشهاد بأحزاب اليسار وكأنها استبقت تأسيس تحالف يسارى على أساس أيديولوجى جانبه الصواب؛ فجميع الأحزاب اليسارية التى شاركت فى تأسيس الجبهة العام الماضى لم تعلن عن تحالف انتخابى إلا بعد تأسيس تحالف الطريق الحر الذى جمع الدستور والمحافظين.
يكشف هذا التفكك عن فشل جديد للحركة المدنية التى تأسست عام 2017، إذ لم تعد قادرة على بلورة موقف موحّد سواء فى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. تجاوزت الخلافات مسألة التكتيكات فى التعامل مع الحكومة أو أحزاب الموالاة، التى انتهت بلفظ جناح المعارضة الأكثر ميلًا للدخول فى مفاوضات ومواءمات وانتهى الأمر بتجميد أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى والإصلاح والتنمية والعدل عضويتهم فى الحركة.
حاولت أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى والعدل والإصلاح والتنمية بعد خروجها من الحركة، بناء خط تعاون مشترك وأعلنوا قبل عدة أشهر تشكيل تحالف الطريق الديمقراطى، لكن بدأ الصدام الخفى بين أحزاب التحالف مبكرًا فى انتخابات مجلس الشيوخ، عندما فشلوا فى تنسيق المرشحين على المقاعد الفردى، وهو ما يبدو انه سيتكرر فى انتخابات مجلس النواب.
هزيمة جديدة
فى ظل قانون انتخابات وتقسيم دوائر متسعة يعزز فرص أصحاب المال والنفوذ يغدو الخلاف على التكتيك رفاهية، فضعف أحزاب المعارضة واستمرار بعدها عن الشارع لأسباب تتعلق بضعف أدواتها سواء ماليًا أو تنظيميًا، لأسباب داخلية أو لقيود سياسية، يجعلها فى حاجة للتحالف للوصول للبرلمان والحصول على عدد مقاعد يمكنها من التعبير عن المواطنين بعد سنوات من انتقاد البرلمان والحكومة.
يبدو أن أمراض المعارضة التاريخية سواء الصراعات الأيديولوجية، أو الشخصية، أو عدم القدرة على العمل الجماعى والرغبة فى الاستئثار بالظهور، ستتسبب فى هزيمة جديدة لهذه المعارضة المفككة.