اختبار العدالة والتوافق فى الإجراءات الجنائية

الإثنين 13 أكتوبر 2025 - 10:10 م

أعلنت رئاسة الجمهورية فى 21 سبتمبر الماضى رد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب مرة أخرى، وأوضح البيان الرسمى أن بعض المواد محل الاعتراض تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة.
كما أشار البيان إلى ضرورة زيادة بدائل الحبس الاحتياطى للحد من اللجوء إليه، وإزالة أى غموض فى الصياغة قد يؤدى إلى تعدد التفسيرات أو إلى وقوع مشكلات عند التطبيق على أرض الواقع، مع إتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة فى مشروع القانون والإلمام بأحكامه، ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولًا إلى العدالة الناجزة فى إطار من الدستور والقانون.
تحدث البيان بشكل صريح عن الهدف من رد مشروع القانون، وهو تحقيق مزيد من الضمانات، إلا أن المناقشات التى جرت فى الجلسة العامة لمجلس النواب كشفت عن مخاوف جديدة من مشروع القانون المثير للجدل منذ ظهوره للنور.
ورغم وضوح فلسفة الرئيس فى الاعتراض على ثمانى مواد من إجمالى أكثر من 500 مادة، تهدف جميعها إلى تعزيز الضمانات القانونية، فقد ظهر منحى من الحكومة يميل إلى تعديل المادة 105 بشكل قد يعصف بحق دستورى أصيل أقرته المادة 54 من الدستور.
رحب مجلس النواب بمذكرة الرئاسة واعتبرها انتصارًا وتأكيدًا للحريات، وأيدت اللجنة العامة للمجلس نظر التعديلات المطلوبة، وقررت عدم المناقشة فى أى نصوص أخرى غير الواردة فى مذكرة الرئيس.

الحق الدستورى


تنص المادة 54 من الدستور على أن «الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.
ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تُقيد حريته بأسباب ذلك، ويُحاط بحقوقه كتابة، ويُمكَّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يُقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محامٍ نُدب له محامٍ، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة وفقًا للإجراءات المقررة فى القانون.
ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا.
وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطى ومدته وأسبابه وحالات استحقاق التعويض الذى تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز فيها الحبس إلا بحضور محامٍ موكل أو منتدب».
أما المادة 105 من مشروع القانون، التى جاءت ضمن المواد الثمانى التى وردت فى مذكرة الرئيس، فتمنع عضو النيابة من استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود إلا فى حضور محاميه.

لماذا جدل المادة 105؟


وضعت مذكرة الرئاسة المادة 105 بين المواد المتحفظ عليها، ولفتت إلى عدم تحقق التناسق مع حكم الفقرة الثانية من المادة 64 من المشروع ذاته، التى خولت المأمور المنتدب صلاحية تفوق المقررة للأصيل، إذ أجازت لمأمور الضبط القضائى المنتدب من النيابة العامة القيام بعمل من أعمال التحقيق واستجواب المتهم فى الأحوال التى يخشى فيها فوات الوقت، متى كان ذلك متصلًا بالعمل المندوب له ولازمًا لكشف الحقيقة، دون اشتراط حضور محامٍ موكل أو منتدب.
بينما المادة 105 لم تخول للنيابة العامة أو قاضى التحقيق هذه الصلاحية عند استجواب المتهم فى ذات الأحوال المشار إليها، وهو ما قد يؤدى إلى إطالة مدة احتجاز المتهم دون سماع أقواله التى قد تشير إلى تبرئته أو تبرئة غيره من الاتهام.
المفارقة أن تلك المادة كانت محل نقاشات واسعة خلال الاجتماعات السابقة، سواء فى اللجنة الفرعية التى أعدت المشروع، أو فى اجتماعات اللجنة التشريعية، كما واجهت اعتراضات حكومية أثناء مناقشة المشروع فى الجلسة العامة السابقة، وطلب وزير العدل إضافة عبارة تتيح بدء التحقيق مع المتهم بدون محام، إذا تعذر وجوده إذا قبل المتهم ذلك كتابًة أو خشية انقضاء فترة احتجازه القانونية، إلا أن المجلس رفض اقتراح الوزير، تأكيدًا حق الدفاع الذى تقره المواثيق الدولية والدستور المصرى.

أزمة جديدة


شكل مجلس النواب لجنة خاصة برئاسة وكيل المجلس، المستشار أحمد سعد الدين، لدراسة النصوص محل الاعتراض، وأضافت اللجنة بموافقة جميع أعضائها تعديلات جديدة للمواد التى اعترض عليها الرئيس، تضمنت بدائل إضافية للحبس الاحتياطى.
غير أن مناقشة المادة 105 فجرت أزمة حادة داخل اللجنة، بعد أن عرضت الحكومة نصًا جديدًا يتيح للنيابة التحقيق مع المتهم واستجوابه فى غياب محاميه لاعتبارات الضرورة، أدى ذلك إلى انسحاب نقيب المحامين وثلاثة أعضاء من مجلس النواب من الاجتماع، بينما اعترض ثلاثة نواب آخرون على النص الجديد، كما أطلقت نقابة المحامين تحذيراتها من المساس بحق الدفاع، واصطفت إلى جانبها نقابة الصحفيين والأطباء وعدد من المحامين والحقوقيين من أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان.

مفترق طرق


إذن، نصل هنا إلى محطة جديدة من الخلاف حول مشروع القانون الذى يؤسس لمنظومة العدالة بأكملها، ويصفه الفقهاء بأنه دستور الحقوق والحريات وضمانات حقوق الإنسان، ويضبط العلاقة بين المواطن والقضاء والنيابة والشرطة، سواء كان المتهم أو المجنى عليه أو الشاهد.
تدخل الرئيس بعدما تلقى مناشدات من أطراف مختلفة لمراجعة المشروع، والآن تظهر أطراف أخرى تتحفظ وتحذر من تعديلات بها شبهة عدم دستورية.
ويبقى السؤال الآن: هل يبقى مجلس النواب على المادة 105 حفاظًا على الحق الدستورى؟ أم يستجيب لتعديل الحكومة ويعيد إرسال مشروع القانون إلى الرئاسة مرة أخرى وسط حالة التحفظ المجتمعى الواسعة؟ أم يتريث فى اتخاذ القرار ويترك القرار للمجلس الجديد؟

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة