قصص كثيرة ستروى، وآلام وجراح لن تندمل، وذكريات كابوسية ستبقى محفورة فى الذاكرة، حتى فى عقول الأجنة التى فتحت عيونها على الخراب والدمار فى قطاع غزة، الذى تكالبت عليه الأهوال لعامين كاملين قبل أن يعلن عن اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، فى مشهد ترقبه العالم، وباركه القادة والزعماء الذين التأم شملهم فى قمة شرم الشيخ.بعد شهور طويلة من المعاناة الفلسطينية ورحلات النزوح شمالًا وجنوبًا، وسط ركام البيوت والمستشفيات والمدارس، ومحاولات إسرائيلية محمومة فشلت فى فرض تهجير قسرى على سكان القطاع، يثور السؤال: هل حان لأبناء غزة أن يجدوا راحتهم الجسدية «بطعامٍ من جوع وأمن من خوف»؟هل انتهت حرب الإبادة الجماعية، أم أنها مجرد محطة مؤقتة على طريق عذابات ممتدة منذ أكثر من سبعة عقود؟ والأهم: ماذا بعد وقف إطلاق النار وخروج القوات الإسرائيلية من غزة، وفق الاتفاق الذى رعته واشنطن بجهود مصرية وقطرية وإقليمية؟ربما تكمن الإجابة فى معرفة ما خلفه العدوان الإسرائيلى من دمار شامل، وما تتطلبه عملية إعادة الإعمار من كلفةٍ باهظة تتجاوز حدود المال إلى إرادةٍ سياسية.وفقًا لتقديرات صادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولى والاتحاد الأوروبى قبل أشهر، يحتاج قطاع غزة إلى نحو 53 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافى خلال عقدٍ من الزمن. لكن وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطينى عاهد فائق قال مؤخرًا إن الكلفة تجاوزت 70 مليار دولار بسبب الأضرار الإضافية التى لحقت بالقطاع. وأوضح أن قطاع الإسكان تضرر بشدة، إذ بلغ عدد الوحدات المدمّرة كليًا نحو 300 ألف وحدة من أصل نصف مليون وحدة سكنية.وفى الرابع من مارس الماضى، تبنت القمة العربية بالقاهرة فى بيانها الختامى الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، وتنص على توفير سكنٍ مؤقت للنازحين فى سبعة مواقع داخل القطاع تستوعب أكثر من 1.5 مليون شخص. كما أكدت القمة، التى حملت اسم فلسطين، العمل على إنشاء صندوق ائتمانى لتلقى التعهدات المالية من الدول والمؤسسات المانحة لتنفيذ مشروعات التعافى وإعادة الإعمار.اليوم جاءت ساعة الحقيقة لاختبار صدق التعهدات، بعد تجارب سابقة كانت وعودها تتبخر سريعًا. فكما حدث عقب الغزو الأمريكى للعراق، ومؤتمر إعادة إعمار غزة فى القاهرة عام 2014، حين تعهد المانحون بـ5.4 مليار دولار، لم يتحقق منها إلا القليل، وبقى الفلسطينيون يواجهون خرابهم بقدراتهم المحدودة.لذلك فإن إعادة إعمار غزة مرهونة بآليات تمويل دولية وسياسية معقدة (منظمات أممية، تبرعات دولية، ومشاركة إقليمية) وقد تتراجع بعض الدول أو تتحفظ بعض المؤسسات لأسباب سياسية أو اقتصادية.ربما يرى البعض فى قمة شرم الشيخ ضمانة لجدية المانحين فى إعادة ما دمّرته الحرب، وإحياء الأمل فى حياة كريمة لمليونى فلسطينى أرهقهم القتل والتشريد. لكنها، فى الواقع، خطوة فى مسار أكبر، وليست نهاية المأساة. محاولة لخلق إطار عمل، لإعادة النقاش إلى الساحة الدولية، لتذكير العالم أن القضية الفلسطينية لم تمح بعد، ولن تمحى، لكنها أيضا ليست ضمانة بأن ما يتفق عليه سينفذ فعليًا.قد يستفيد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الزخم الإعلامى، ليقدم نفسه كوسيط سلام، لكن محاولته وحدها لا تكفى ما لم تتوافر إرادة التزام حقيقية من جميع الأطراف بما تم الاتفاق عليه وتنفيذه، وبغير ذلك، ستظل المأساة الفلسطينية معلقة فى فراغ دورة جديدة من الصراع.لقد صمد الفلسطينيون على أرضهم، وتمكنت مصر من إفشال مخطط التهجير القسرى إلى سيناء، وجاء ترامب ومعه أكثر من عشرين قائدًا ومنظمة إلى شرم الشيخ.لكن ما بعد الدمار هو الرهان الأصعب: كيف تبنى الحياة من تحت الركام؟
مقالات اليوم حسن المستكاوي إن تذاكر تنجح.. مبروك عماد الدين حسين مغزى وجود ترامب والعالم في سيناء.. صفاء عصام الدين اختبار العدالة والتوافق فى الإجراءات الجنائية مدحت نافع الذهب والديون ومؤشر الخوف.. وإرهاصات العام الجديد بشير عبد الفتاح أغنية على الممر شريف عامر صور أكتوبر ودروسه ناصيف حتى خطة ترامب وتحديات تطبيقها بالكامل من الصحافة الإسرائيلية ترامب ينقذ إسرائيل من نفسها
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك