ألغاز ثلاثة آلاف عام
الأحد 7 ديسمبر 2025 - 6:45 م
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، ينتقد فيه التعامل «الصفقاتى» و«العقارى» للرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع القضايا التاريخية والسياسية المعقدة فى الشرق الأوسط، وتحديدا الصراع العربى الإسرائيلى، بخاصة القضية الفلسطينية، مشددا على أن هذا المنظور يختزل التاريخ والسيادة والشعوب فى كلمتين هما «قابلية للإلغاء» أو «فرصة عقارية»، وأن هذا يمثل استهانة ساخرة بالتاريخ العربى، مما يستدعى حالة تأهب قصوى من العالم العربى فى مواجهة هذا النوع من التفكير.. نعرض من المقال ما يلى:
أليس طريفا أن يكون آخر ما يشغلنا به الإمبراطور (دونالد ترامب)، وقائع التاريخ؟ كيف نفهم قوله: «سأحلّ صراعات ثلاثة آلاف عام فى الشرق الأوسط»؟ لقد أزرى الدهر بالعالم العربى، الذى قامت على أرضه حضارات مجموعها ثلاثون ألف سنة، علّمت الدنيا ما لم تعلم، ويأتى رجل عقارات من أقصى المحيط الأطلسى، ليرينا كيف يبدع جنّة ريفيريّة، على جثث أطفال غزّة. واتاريخاه، كيف خاننا المؤرخون، فلم يقل لنا أحد منهم حرفا عن قائمة الصراعات التى أحاط بها الإمبراطور، وأصدر الحكم بإغلاق ملفّاتها، بينما أربعمائة مليون، حائرون أمام ثمانين عاما من مشكلة فى رقعة صغيرة من ملايين كيلومتراتهم المربعة.
لكن، حذار أن تركن إلى العقل والمنطق والتحليل العلمى المنهجى، حين تكون أمام أقوال وأفعال لرجل من هذا القبيل. ستقع فى المطب فريسةً للأوهام. فيلسوف التاريخ، الإيرانى الراحل، باستانى باريزى، (له ستون كتابا) يقول: «يتهموننى بأننى أدخلت السخرية فى التاريخ، والتاريخ فى السخرية»، أمّا الإمبراطور فقد أدخل السخرية فى التاريخ والسياسة، والتاريخ والسياسة فى السخرية، وطبخ الكل فى قِدر العقارات. هذا ليس تقوّلاً، فقد قال عنه لاورانس ويلكرسون، العقيد المتقاعد، مدير مكتب وزير الدفاع الأسبق كولن باول، فى حوار مع البروفيسور والسياسى النرويجى غلن ديزن: «ترامب يفكر فى السياسة كرجل عقارات. رجل العقارات يعقد صفقةً وتنتهى، ثم يعقد أخرى، وهكذا. فى السياسة ذلك يعنى عدم وجود استراتيجية استمرارية».
تريد أن ترى السخرية؟ عد إلى مؤتمر يالطا، فبراير 1945، حين اجتمع ستالين وروزفلت وتشرشل، لتقرير مصير أوروبا. اليوم، ترى جاريد كوشنر وستيف ويتكوف مع الرئيس الروسى بوتين. المسألة وما فيها: إدارة شئون خاصة، تحت مظلة شئون عامّة. بعبارة أفصح: «ما هو نصيبى من الكعكة الأوكرانية؟» فيقول له الدب: «لقد أتيت أهلاً ونزلت سهلاً فى أوكرانيا، وسأكرم مثواك فى فنزويلا».
المغزى هو أن على العالم العربى أن يدرك أن القوة المهيمنة التى ترى الأوطان والسيادة والهوية والشعوب وتاريخها أمورا هامشية، وأن القيمة الحقيقية المهمة هى قابليتها للإلغاء، هى عالم يستدعى حالة التأهب القصوى.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحسابية: الرجل فى ثلاث سنوات بقيت له، يريد حلّ صراعات ثلاثة آلاف عام، نحن لا نعرف حتى ما هى.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا