مساء الخميس قبل الماضى مات الطفل يوسف أحمد عبدالملك سباح نادى الزهور عقب إنهائه سباق ٥٠ متر ظهر فى بطولة الجمهورية للسباحة التى أقيمت بمجمع حمامات استاد القاهرة الدولى.
قصة وفاة يوسف المأساوية صارت معروفة لكثيرين واهتمت بها العديد من وسائل الإعلام، وتناولها العديد من كبار الكتاب ومقدمى البرامج الحوارية، والأهم أنها كانت محط اهتمام العديد من الأسر المصرية خصوصا تلك التى لديها أبناء يخوضون مثل هذا النوع من المسابقات، أو حتى يتلقوا تدريبات فى السباحة العادية.
بالطبع هناك روايات كثيرة عن سبب وفاة يوسف ومنها أن رأسه اصطدم بحائط حمام السباحة بعد نهاية السباق مما أصابه بإغماءة وفقد الوعى ثم غرق وظل فى الماء دون أن يشعر به أحد لمدة عشر دقائق فى رواية البعض وثلاث دقائق وأربعين ثانية حسب تحقيقات النيابة.
لكن الجدل الأكبر دار حول قصة الإهمال الكبير الذى صاحب وفاة السباح، الذى لم يكمل عامه الثالث عشر، وحقق بطولات كثيرة، وانتظرت أسرته أن يكون بطلا عربيا وإفريقيا ودوليا، لكن منظومة الإهمال المتكاملة قتلته بصورة أو بأخرى.
أن يموت شخص فهذا قضاء وقدر وكلنا ميتون، لكن أن يكون هذا الموت بسبب الإهمال الفظيع فتلك هى المأساة.
لن أخوض فى التفاصيل والجدل الذى ما يزال مستمرا حتى الآن حول الحادثة التى ترقى إلى مستوى الجريمة المتعمدة، ولن أناقش هل كانت سيارة الإسعاف موجودة وقريبة أم لا، ومتى وصلت، ولن أتناول قصة الإضاءة فى حمامات السباحة وهل كانت قوية أم لا، وأين كان حكم المسابقة، وأين كان المنقذون والمسعفون، وهل هيئة استاد القاهرة قامت بدورها ووفرت التجهيزات الكاملة لمثل هذه المسابقات، أم أنها متفقة مع اتحاد السباحة على توفير ذلك، والأخطر ما الذى فعله الاتحاد ورئيسه لمنع هذه الحوادث؟!!!.
لن أتناول كل ذلك، وأتركه للنيابة العامة التى أمرت صباح أمس الأحد بحبس الحكم العام وثلاثة من طاقم الإنقاذ احتياطيا على ذمة التحقيقات، بعد ثبوت مسئوليتهم المباشرة عن وفاة السباح يوسف.
تحقيقات النيابة تقول إن معاينة مكان الحادث أثبتت عدم وجود آلات مراقبة تفيد مجريات التحقيق وإنها انتقلت الى مقر اتحاد السباحة وضبطت الملف الطبى للمتوفى ومقطعا مرئيا مصورا يتضمن كل تفاصيل الواقعة. كما ضبطت جميع المستندات المنظمة لإجراءات إقامة البطولة بجميع مراحلها، خصوصا ما يتعلق بالإشراف الطبى، وبالأخص هل كان السباح يعانى من أى أمراض تحول دون اشتراكه فى مثل تلك المسابقات من عدمه.
تحقيقات النيابة قالت إن كل الشهود الذين استمعت إليهم أكدوا وجود إهمال وتقصير، وقررت استدعاء رئيس الاتحاد المصرى للسباحة والمختصين به وكذلك استدعاء مسئولى نادى الزهور.
مرة أخرى لن أخوض فى التفاصيل التى صارت فى عهدة النيابة، لكن ما أود لفت النظر إليه هو ضرورة معالجة جذور مثل هذا النوع من المآسى والكوارث والحوادث حتى لا يتكرر.
الامر لا يتعلق بمجرد غرق شاب فى حمام سباحة، بل بمنظومة متكاملة تجعل عملية الغرق تتكرر كثيرا.
قد تنتهى التحقيقات بإدانة بعض صغار المسئولين طبقا للأوراق والمستندات المتاحة، لكن ما نريده إضافة لهذه التحقيقات أن نبحث بهدوء فى آلية عمل اتحاد السباحة وكل اتحاد مماثل أو هيئة أو مصلحة، وهل تقوم بدورها وواجبها على أكمل وجه، أم أنها ماهرة فى «تستيف الأوراق» بحيث يتم معاقبة بعض صغار المسئولين ويتم ترك الحيتان الكبار كما هم فى مواقعهم؟!!.
الأمر يشبه غرق معدية فى النيل يموت فيها عشرون أو ثلاثون شخصا. تقوم الدنيا ولا تقعد وتتحدث الصحف عن أن المعدية ليست مرخصة، وينتهى الأمر بمحاكمة صاحب المعدية، لكن لا نبحث فى بقية المعديات غير المرخصة والتى تعمل بلا ضابط أو رابط. أو انقلاب قطار، فنعاقب السائق أو المحولجى، ولا ندرس هل هناك موارد كافية من أول المزلقانات نهاية بالقطارات نفسها وهل جميع العاملين فى الهيئة مدربون ومؤهلون أم لا. أو يندلع حريق أو تنهار عمارة ويموت كثيرون، فنعاقب مهندس الحى لكننا لا نعالج الأسباب الجوهرية لهذه الحوادث خصوصا مخالفات المحليات الكارثية.
ما أتحدث عنه ليس من اختصاص النيابة أو القضاء، بل من صميم عمل الحكومة التى يفترض أن تتأكد من أن كل شىء على ما يرام بالفعل وليس بالقول ومن صميم عمل البرلمان الذى يفترض أن يراقب الحكومة بكل جدية.
وأن يكون هناك عقاب رادع لكبار الحيتان وليس فقط «البساريا» حتى يرتدع بقية المهملين والمقصرين والمفسدين.