يرسل الله سبحانه أقداره.. فيجزع الإنسان متخيلًا أن ما أصابه إنما هى رسالة تعبر عن غضب الله عليه وإلا لماذا أصابه ما أصابه دون غيره؟ بل قد يتمادى البعض من بنى الإنسان فى غيه فيسأله سبحانه: لماذا أنا؟
واجهت وقائع وقدرًا قاسيًا فى الأسابيع الماضية تقبلتها برضا كامل واستسلام فكنت والحمد لله ممن يتقبلون قضاء الله، مدركين أن فى قضائه رحمة وفى أمره حكمة وأنه بلا شك أرحم الراحمين.
لم أدر بنفسى إلا والأرض تدور بى وتحول الفضاء حولى لليل بهيم فقدت الوعى فسقطت على الأرضية الرخامية فى منزلى، وكان آخر ما سمعت بوضوح هو وقع ارتطام رأسى بالأرض.
كنا وحدنا: «زوجى وأنا فى المنزل وكانت الساعة قد تخطت العاشرة مساء. كان من الواضح أننا نواجه موقفًا صعبًا، وأن علينا أن نواجهه بشجاعة. فى ظل هذا القدر الصعب كان اللطف الخفى يختبئ».
حينما أراجع نفسى وأنا الآن أتماثل للشفاء الكامل وفى كل لحظة أخلو فيها لنفسى أحمد الله على وقائع ذلك اللطف الخفى الذى كان ظلًا لحدة الأحداث التى وقعت.
رغم ما انتابنا من اضطراب فى مواجهة الحدث فإن هناك سياقًا آخر كان يجرى اطمأنت له قلوبنا. فى ذات الوقت اتصل بنا من دبى ابنى الدكتور أحمد حسن من معهد القلب القومى ويعمل حاليًا مع زوجته د. داليا عوارة بإمارة دبى. أخبره زوجى بما حدث فبدأ على الفور فى توجيهه لما يجب أن يفعل. لم ينتظر فاتصل تليفونيًا بابنتى الوحيدة التى صادف أنها الأخرى تعيش مع أسرتها وزوجها فى دبى. ثم اتصل بسائقى الذى يعمل معى وكان رقمه معه وطلب منه أن يتوجه إلى منزلنا فورًا وقد كان.
اتصل أحمد حسن بأصدقائه وزملائه ليكونوا فى انتظارى بالمستشفى الخاص الذى يعملون به فى أكتوبر.. وقد كان.. وصلت إلى المستشفى ليلقونى بعناية طمأنت نفسى كثيرًا، وظل د. محمد فوزى نائب الطوارئ إلى جانبى حتى أجريت كل الفحوصات اللازمة، وأهمها رنين مغناطيسى وأشعة مقطعية على المخ.
فى صباح اليوم التالى وصلت ابنتى الوحيدة من دبى لتدير دفة الأمور بحكمة وشجاعة جعلتنى أزهو بما غرست فيها من صفات.
كان من الطبيعى أن تتم متابعة حالتى بعد التشخيص الذى أكد أن هناك نزيفًا بالمخ قد حدث من قبل جراح للمخ والأعصاب، وكان سيناريو اللطف الخفى ما زال مستمرًا فكان أن تابعنى الأستاذ الدكتور عمرو صفوت، جراح المخ والأعصاب الأشهر. اقتضى الأمر تدخلًا جراحيًا للتخلص من النزيف. أجريت العملية الحمد لله لتبدأ فترة الرعاية المركزة، والتى انتهت على خير وعدت إلى منزلى الحمد لله.
نعم بلا شك كان قدرًا صعبًا، وكنت أرى أثره على ملامح زوجى وابنتى الوحيدة، لكن اللطف الخفى كان يمنحنى أمانًا لا حد له:
اللطف الخفى تعددت صوره واضحة مؤثرة منذ بداية ذلك القدر القاسى وحتى الآن:
- ثباتى النفسى وهدوءه دون شك كان أهم العوامل التى عجلت بشفائى وإحساسى القوى بأننى بالفعل كنا بين أيدٍ أمينة، وأننى تلقيت الرعاية الواجبة والعلاج الصحيح فى المكان الصحيح.
- لا أظن أن هناك إنسانًا من أصدقائى أو معارفى لم يسأل عنى بمختلف الوسائل. كان هذا من أكثر العوامل تأثيرًا على نفسى ومعنوياتى.
- من يتصور أنه حتى الآن تقوم صديقتى الأثيرة هدى صادق بزيارتى يوميًا وطهو طعامى إلى جانب واجبات التمريض، ومنها الغيار على الجرح يوميًا؟
- كيف يمكننى أن أرد ديون محمد أسامة وعزة قتة وعالية عبدالفتاح وميرفت أبوالمعاطى دون ألقاب.. وقد كانوا إلى جوارى دائمًا بلا دعوة.
الواقع أن ما غمرنى الله به من لطف خفى جعلنى أنسى تمامًا ذلك الأثر القاسى الذى تركه ذلك الحادث الذى ترصدنى.
حديثى عن اللطف الخفى يجب ألا ينتهى قبل أن أشير بالامتنان الصادق إلى جراح المخ والأعصاب الأشهر أ.د. عمرو صفوت، والذى رفض رفضًا قاطعًا تقاضى أتعاب عن عملية جراحية دقيقة أجراها باقتدار.
لحديثى بقية عن المستشفيات الخاصة وصغار الأطباء وكبارهم العاملين بها والهيئات المعاونة للأطباء من فنيين وتمريض.