سبع صنايع.. والبخت مش ضايع.. تجربة أم وحيدة
الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 5:45 م
ربما نندهش حين تطالعنا إحصاءات عن نسبة الأسر المصرية التى تعولها النساء، فتُقدَّر هذه النسبة بـين 13% و٣٠٪ من إجمالى الأسر المصرية. وفى إحصائية أخرى، نجد أن المرأة الوحيدة أو single mother تشكّل أكثر من ١٢ مليونًا من نساء مصر. كيف تعيش هؤلاء النساء؟ وكيف يواجهن الحياة بكل مسئولياتها وحدهن؟ سؤال حائر، وللأسف لا يُطرح! هل السبب هو أن معظم ما يُكتب فى هذا الموضوع يُكتب من جانب الرجل؟ حقيقةً، هناك العديد من القصص التى تحكى لنا عن الإحباط، والوحدة، والفراغ العاطفى، والفشل فى تربية الأولاد، والضغوط الاقتصادية، وفقدان الثقة بالنفس. ومن ناحية أخرى، هناك الكثيرات اللواتى نجحن فى تربية الأولاد وعبور المشكلات، ونجون من أخطار الوحدة والاكتئاب.
• • •
معظم الحالات الناجحة التى أعرفها كانت المرأة الوحيدة فيها قوية، أو مصممة على النجاح، أو قادرة على تدبير أمور الأسرة المادية بشكل أو بآخر. ولكن القليل النادر أن تستطيع المرأة أن تصل إلى توازن بين مسئوليتها نحو الأسرة والمجتمع من ناحية، ومسئوليتها تجاه نفسها: عن صحتها النفسية، وعن تطورها كإنسانة، وعن طموحها المهنى. قد يبدو أن الوصول إلى هذا التوازن من المستحيل. هو فى الحقيقة فى غاية الصعوبة، لكنه ممكن. ومن معرفتى الوطيدة لإحدى هؤلاء الأمهات، أقول بكل قوة إن الإنسان، لو اضطر أن يكون وحيدًا، يستطيع أن يحقق الكثير من أهدافه. ربما يصل إلى أهدافه وقد دفع ثمنًا باهظًا، ولكن أليس هذا دائمًا هو الحال؟!
• • •
التحدى الأكبر، وسط الضغط المجتمعى الذى لا يرحم، والضغوط الاقتصادية، أجده متمثلًا فى أن تبنى المرأة الوحيدة كيانًا مهنيًا مستقلًا ومتميزًا. كيف يمكن لامرأة وضعتها الظروف فى مكانة تبدو دونية أن تكون ناجحة مهنيًا؟ البداية هى المصالحة مع النفس: المرأة الوحيدة ليست امرأة ناقصة أو معيوبة. تحقيق الأهداف والطموحات ليس مرتبطًا بوجود المرأة فى كنف الرجل؛ لأن المرأة إنسان كامل لا يحتاج، مثل الرجل تمامًا، أن يكون له من يدعمه ماليًا أو اجتماعيًا بشكل مستمر. وليس معنى هذا أبدًا أن الزواج مباشرةً يحدّ من قدراتها واستقلالها، ولكن الإشكالية تكمن فى ظن المرأة أن حياتها تنتقص لعدم وجود الزوج بجانبها، وأن قدرتها على العطاء مرهونة بوجودها فى إطار الزواج. الزواج الناجح، المبنى على التفاهم والمشاركة الحقيقية، أمنية الكل، ولكن إذا أصبح الزواج فاشلًا، واضطرت المرأة أن تكمل الحياة وحدها، ماذا تفعل؟ هل هذه نهاية الحياة؟ هل لا بد أن تبحث عن زوج آخر؟ تجربة صديقة لى كانت مختلفة، ولنبدأ بمحطة فارقة فيها: قرارها أن تدرس الدكتوراه.
• • •
رحلتها لدراسة الدكتوراه بأمريكا لم تكن سهلة أبدًا. فرصة تندر أن تأتى لشابة فى الثلاثينيات، وهى سن متقدمة بالنسبة لطلاب الدكتوراه. ولأنها أم لبنتين، كان الحمل كبيرًا عليها، إضافة إلى الغربة والبعد عن الأهل والأصدقاء. والآن، وبعد مرور ٣٠ سنة منذ حصولها على الدكتوراه من جامعة مرموقة فى أمريكا، لا تتذكر من المعاناة شيئًا كثيرًا. تقول إن السنتين اللتين قضتهما فى أمريكا مرّتا بحلوهما ومرهما، ولكن فى النهاية وجدت نفسها وقد استطاعت أن تتفوق على هؤلاء الطلاب الأمريكيين الذين كانوا يصغرونها فى بعض الأحيان بعشر سنوات. أما ابنتاها فقد استفادتا بشكل شامل من التجربة الأمريكية. وبعد سنتين رجعت مع البنتين إلى مصر، وبدأت مرحلة جديدة من التكيف داخل بلدها الأم. كيف مرّت السنتان اللاحقتان لوصولها إلى القاهرة، وكيف استطاعت، وهى الأم الوحيدة والمعيلة، أن تعمل فى وظيفتها، وتكتب رسالة الدكتوراه، وترعى البنتين، وتواجه الحياة؟ تقول لى إنها شعرت أنها تدين لنفسها بالنجاح والتميز. إذا كانت قد فشلت فى الزواج، فلا بد ألا تفشل كإنسانة وكأم.
• • •
وحتى الآن لا تزال تتساءل: هل قامت نحو البنتين بدورها كأم على أكمل وجه؟ هل قصّرت معهما وهى مشغولة عنهما بكتابة رسالة الدكتوراه أو فى سفرها لحضور مؤتمرات؟ اقترحت عليها أن تتكلم معهما، وعندما فعلت فوجئت بفيض العاطفة فى إجابتيهما، وغمرتاها بحب ودعم فاق كل توقعاتها. من أهم ما قالته البنتان هو أنهما تعلّمتا منها كيف توازن الأم بين واجباتها الأسرية والمهنية، وكيف أن عملها الدءوب وما ارتبط به من سفر أو انشغالات، أراهما مثالًا لقدرة الأم على التقدم وتحقيق الأهداف والاستقلالية المادية. وفى ذات الوقت كانتا دائمًا تشعران بالفخر حين تخرجان معها وتجدانها لم تفقد أنوثتها، فوالدتهما ليست فقط ناجحة مهنيًا، وإنما تبدو أنيقة فى الوقت نفسه. كانت هذه الكلمات هى كل ما أرادت أن تسمعه، وأدركت أن الشعور بالذنب الذى كان يتمكن منها طوال سنوات العمل الشاق كان فى الحقيقة ميراثًا يتمكن من المرأة بشكل أو بآخر؛ لأن معظمنا قد تربّى على أن الأمومة تعنى التضحية، وإنكار الذات، وتكريس الوقت والجهد للبيت والأولاد فقط، ودون ذلك يكون أنانيةً وانحرافًا وعدم مسئولية. فأيقنت هذه الأم الوحيدة أنها كانت فريسة للإحساس بذنب زائف، وأنها نجحت على مستويات عدة حين وثقت فى قدراتها، ووضعت الأولويات المتوازنة هدفًا لا تحيد عنه. ولكن، بالرغم من نجاحها، فإن معضلة الأم الوحيدة تستمر، وتلزمنا بأن نبحث فى تفاصيلها وننفق الوقت والجهد لإيجاد الحلول لها. التحديات التى تواجهها الأم الوحيدة لجديرة بأن يُفرد لها المنتديات الخاصة والدراسات الميدانية المتخصصة، فنحن فى النهاية بصدد مستقبل أسرة بأكملها، على الأقل تشكّل ٣٦ مليونًا من سكان مصر، إذا اعتبرنا أن كل أم وحيدة من الـ١٢ مليونًا ترعى طفلين فقط.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا