من أجل حق يوسف.. كفى حرقًا لأبنائنا السباحين

الأحد 28 ديسمبر 2025 - 7:45 م

لم تكن محاكمة رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد السباحة وسبعة منقذين وحكام، سوى خطوة على طريق استعادة حق السباح الناشئ يوسف عبد الملك، الذى فقد حياته غرقًا مطلع هذا الشهر خلال مشاركته فى بطولة الجمهورية، على مرأى من عشرات أعضاء المنظومة الخربة، الذين بلغ بهم حد التراخى والإهمال أن يغرق طفل بقاع حوض السباق لنحو خمس دقائق دون أن ينتبه له أحد.

قد يكون أفضل إنجاز حققه مجلس إدارة الاتحاد المصرى للألعاب المائية، هو قراره بتجميد أعماله احترامًا للرأى العام الغاضب ولوالدى يوسف المكلومين، لكن الإنجاز الأهم الذى ينتظره الجميع من وزارة الشباب والرياضة، أن تُنفذ تعهداتها بالنظر فى المخالفات التى وردت بأوراق القضية المحالة إليها من النيابة العامة.

بيان «الشباب والرياضة» الذى صدر عقب تجميد أو «إقالة» مجلس إدارة الاتحاد المصرى للألعاب المائية، أشار إلى أن الوزارة ستتخذ كل ما يلزم لتلافى التجاوزات والأخطاء التى ارتُكبت، وهو ما يعنى أن هناك توجها لإعادة النظر فى منظومة سباحة الناشئين بالكامل، بدءًا من قواعد تدريب الفرق، واختيار وتأهيل المدربين، مرورًا بالأحمال وإجراءات السلامة البدنية والنفسية، وصولًا إلى تنظيم البطولات وشروطها وتتابعها.

غرق الطفل الشهيد يوسف، رحمه الله، كان جرس إنذار فرض على الجميع مراجعة وتدقيق كل مرحلة من مراحل اللعبة التى من المفترض أن يمارسها أولادنا من أجل المتعة وتعزيز الصحة البدنية والنفسية، فإذا بها تتحول إلى ثقل وعبء، وقد تصل إلى كارثة تفقد فيها الأسر أرواح أبنائها، على النحو الذى جرى.

يبدأ هذا العبء بالأندية التى لا تتعامل أجهزتها الفنية مع السباحين الصغار باعتبارهم أطفالًا يمارسون رياضة ينمون مهاراتهم فيها بشكل تدريجى، بل كمجموعة من الآلات التى يجب أن تعمل وفق «كتالوج» لا يجوز الحياد عنه؛ فالمدربون يمارسون ضغوطًا هائلة على النشء من أجل تحقيق أرقام تضعهم فى إطار للمنافسة، ما يضع الأطفال وأسرهم تحت ضغوط عصبية قاسية.

يُطلب من الطفل فى هذه السن الصغيرة أن يتمرن نحو ثلاث ساعات يوميًا، وفى بعض الأيام ــ قبيل البطولات ــ تصل مدة التدريب إلى خمس ساعات على فترتين، وما يزيد الطين بلة أن عددًا كبيرًا من أولياء الأمور يقعون فى فخ «البرايفت» أو التدريب الخصوصى؛ فمن يرغب فى تحسين أرقام أبنائه يدفع بهم إلى مدرب خاص أو إلى إحدى الأكاديميات.

ورغم أن معظم اتحادات السباحة فى الغرب لا تنظم بطولات احترافية لمن هم دون الثالثة عشرة من العمر، فإننا فى مصر نلقى بأطفالنا فى البطولات الرسمية منذ سن الحادية عشرة، ما يضاعف الأعباء على أولياء الأمور ويزيد الضغوط على الناشئين.

وبالانتقال إلى عبء البطولات، فنجد أن بطولة الجمهورية والتى تُنفذ عادة فى مجمع حمامات السباحة باستاد القاهرة، تُسيطر عليه حالة من الفوضى قلما تجد لها مثيلًا فى أى مضمار بطولة فى العالم؛ إذ يشارك فى تصفياتها نحو ثلاثة آلاف سباح، يضاف إليهم أعضاء الأجهزة الفنية من مدربين ومساعدين وإداريين، فضلًا عن الحكام والمنقذين، وكل هؤلاء لا يجدون الحد الأدنى من الخدمات، بدءًا من أماكن تغيير الملابس، وحمامات التسخين والتطويل، وصولًا إلى سيارات الإسعاف والعيادات الطبية.

 ينهى الأطفال يومهم فى هذا المكان وهم فى حالة مزرية، للدرجة التى يجب أن ينفذ لكل منهم جلسات إعادة تأهيل بدنى ونفسى إثر ما تعرضوا له من إجهاد.

يشارك كل طفل فى نحو أربع بطولات على مستوى المحافظة والجمهورية سنويًا، فضلًا عن بطولة المدارس، ما يجعل من الصعب عليه التركيز فى دراسته، ومع ذلك، إذا تمكن الطفل من المواءمة بين التدريب والدراسة، فإنه غالبًا ما يتحول إلى آلة، فيفقد طفولته ومراهقته، ويُسلب حقه فى اللعب أو الاستمتاع بحياته، على غرار أقرانه فى بقية دول العالم.

ورغم ما يتعرض له سباحونا من ضغوط شديدة فى سن مبكرة، ورغم تحقيقهم أرقامًا قياسية فى الفئات العمرية الصغيرة، فإنه من النادر أن تجد من يحقق منهم نجاحًا يُذكر على مستوى البطولات الدولية؛ إذ يتسرب معظم هؤلاء الناشئين قبل الوصول إلى فرق البالغين التى تشارك فى بطولات العالم أو الأولمبياد، بينما يحصد نظراؤهم فى دول أخرى مراكز متقدمة، رغم أنهم بدأوا المشاركة فى سن متأخرة. والفرق الوحيد أننا فى مصر «نحرق» أبناءنا مبكرًا، ونتشارك جميعًا فى الضغط عليهم حتى حد الانفجار.

إنقاذ سباحة الناشئين فى مصر يحتاج إلى قرارات شجاعة تعيد النظر فى المنظومة بالكامل، وحتى يحدث ذلك، سيظل يوسف حاضرًا كشاهد اتهام دائم على كل أطراف اللعبة.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة