يحسب لكاتب السيناريو الراحل بسيونى عثمان أنه كان يضيف الكثير من عنده إلى النص الأجنبى الذى يرجع إليه وهو يكتب فيلمًا جديدًا، ومن هذه الأفلام «أقوى الرجال» 1993 إخراج أحمد السبعاوى. ومن المهم المقارنة بين النص المسرحى الذى كتبه التركى عزيز نيسين وبين الفيلم المصرى، فالنص يتحدث عن مواطن يعانى من مالك البيت الذى يسكن فيه ويسعى إلى طرده منه، وعندما يفقد بطاقة الهوية يذهب إلى قسم الشرطة ليتفاجأ أن الأمن يتعامل معه على أنه وحش آدمى يرتكب الجرائم ضد الإنسانية، وهو مطلوب للعدالة، هذا الرجل نورى يتحول فى الفيلم المصرى إلى زكى الطيب المحصل فى هيئة النقل العام، وهو متزوج من امرأة جميلة تتعرض للتحرش من رجال المنطقة أحيانًا ولديه طفل وحيد، صبى، يؤمن بأنه أقوى الرجال، وفى الفيلم يتم سجن زكى، وهناك يلتقى بمجرم عتيد يعلمه أن القوة سيدة نفسها، وأنه يجب أن يكون قويًا وأن يتخلى عن ضعفه، وفى الوقت القصير الذى يقضيه زكى فى الحبس تتعرض امرأته للتحرش والطرد من البيت، وعندما يخرج تكون الأقاويل قد سبقته إلى المنطقة حيث يعتقد الجميع أنه وحش يسكن فى أعماقه رجل شديد الإجرام، ومقتدر الجسد، لذا فإن الأحوال سرعان ما تتغير ويقرر كل من أذاه أن يعتذر ويعوضه عما فعله به، وتبدو الزوجة علية فى حالة حيرة من زوجها الذى تغير تمامًا. وعلى مر الأيام يشعر زكى بقيمة القوة التى اكتسبها، ويصبح محل احترام وخوف من الآخرين، إلى أن يظهر الوحش الحقيقى الذى تتم المواجهة معه، إنها مواجهة وحشين كاسرين وقوة طاغية، تنتهى بمقتل هذا الوحش، لكن سرعان ما تنتشر الأخبار أن زكى ليس هو الوحش، ورغم ذلك فإنه تصرف بقسوة شديدة لإثبات ذاته أمام أسرته والآخرين.أحمد السبعاوى مخرج مجتهد عمل فى أفلام مهمة منها «بيت القاضى»، و«أقوى الرجال»، ومن الواضح أنه حاول مع بسيونى عثمان توصيل معنى أن تكون قويًا إلى المشاهد، لذا فإنه ركز الضوء على التحول الذى أصاب شخصية زكى الذى انتقل من وظيفته كمحصل أتوبيس، ليكون هو الرجل الجبار فى المنطقة الشعبية التى يعيش بها، وقد بدأ زكى مسيرته كوحش من خلال تبنيه لقضايا العدل والمساواة، فهو يرفض أن يأخذ البضائع كهدايا ولكنه يصر أن يدفع التسعيرة الجبرية، ويطلب من الباعة الالتزام بكل ما هو قانونى، وخلال رحلة زكى فإنه لن يتخلى أبدًا عن أن يكون رجل عدل بداخله قوة حتى وإن كانت اصطناعية، ولم يفكر أبدًا فى أن يكون جبارًا عاتيًا، وجعل الآخرين دومًا هم الجحيم مثلما يقول جان بول سارتر. زكى هذا مسالم جدًا لكنه مضطر إلى التحول بعد أن دفعه إلى ذلك زميله السجين، هذا الرجل يبارك له تغيره الملحوظ بأن البقاء للأقوى، وليس للأكثر عدلاً.الجدير بالذكر أننا شاهدنا مثل هذا الرجل فيما قبل من خلال فيلم «دنيا عبدالجبار» إخراج عبد اللطيف زكى، وبطولة محمود عبد العزيز، ولكن هناك اختلافا واضحا بين التجربتين السينمائيتين، وعلى كل فإن المخرجين لم يسعيا إلى صنع فيلم من أفلام الحركة ولكن المعركة الوعرة بين زكى والوحش كانت بالغة الشراسة بما يتناسب مع الموقف الذى وجد عليه الرجل نفسه فيه، علما بأن من أسباب تمسك زكى بوحشيته هو ذلك الفخر الشديد الذى أصاب ابنه، وتلك الصدمة التى لاحقت زوجته علية، نحن أمام فيلم يحتاج إلى أن تستمتع بقراءة النص المسرحى لكاتب مهم يعد من أبرز أدباء تركيا وهو المعتبر أنه من كُتاب الكوميديا السوداء، رغم أن النقاد يحسبون الفيلم على هذه الكوميديا فإننا لم نر أى لون من ألوان الكوميديا سوداء أو بيضاء.
مقالات اليوم عماد الدين حسين قانون الغاب الأمريكي الإسرائيلي ناجح إبراهيم نتنياهو.. وإسرائيل الكبرى عمرو حمزاوي كيف تقاوم الولايات المتحدة تراجع هيمنتها العالمية؟ ليلى إبراهيم شلبي العلم يسألك: هل تصل رحمك؟ محمد زهران التكنولوجيا.. رفاهية للبشر وخطر جسيم أسامة غريب شبح الموت في أغسطس محمود قاسم نص ساعة جواز بسمة عبد العزيز المَجرَى صحافة عربية لغة لا تساوى وزنها علفًا العالم يفكر مستقبل الدور الفرنسي في إفريقيا بين الشراكة والقطيعة
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك