x قد يعجبك أيضا

لغة لا تساوى وزنها علفًا

الجمعة 22 أغسطس 2025 - 7:55 م

الحركات غير اللفظية، أو ما يسمونه لغة الجسد، تحولت إلى ما يشبه المهنة عند بعض مؤثرى السوشال ميديا، وتحديدًا فى المملكة والمنطقة العربية، وأغلبهم يرددون باستمرار نتائج دراسة أمريكية، نشرت فى فترة سابقة، وفيها أن 93% من حالات التواصل بين الناس تتم عن طريق لغة الجسد، ويقدمونها كحجة على صحة تفسيراتهم، مع أن الثابت الوحيد هو احتفاظ الجسد بذاكرة عضلية وعصبية لا واعية، يستعيدها تلقائيًا عند معايشة تجارب جديدة، وبما يحفز لديه ماضيًا سلبيًا أو إيجابيًا مشابهًا، وقد يكون بعيدًا كل البعد عن الموقف محل القراءة، وشطحات من يستنطقون الجسد محل اعتراض من أهل الاختصاص فى دول كثيرة وبالدليل العلمى.
من الشواهد على ذلك، دراسة نشرتها جامعة ماكجيل الكندية عام 2018، وتم فيها جمع ألف ورقة بحثية تناولت لغة الجسد، وبعد مراجعتها اتفق الباحثون على أنها يمكن أن تنقل إحالات عاطفية بالفعل، ولكن الادعاءات التى تربط بينها وبين حركات معينة، سواء لليدين أو القدمين أو الوجه، لم تثبت من الناحية العلمية، وفى رأيهم، محاولة ربط الأمور الذهنية بإيماءات محددة، أو الاستنتاج أنها ستؤثر على الناس، مشكوك فى صحتها، وتصل إلى مستوى العلوم الزائفة، وهذه الحقيقة لوحدها، كافية لنسف كل توهمات من يسمون أنفسهم خبراء لغة الجسد، وهم فى معظم الأحيان محتالون بارعون، يسرقون عقول الأشخاص بكلمات لا تساوى وزنها علفًا.
بالإضافة لما سبق، أجريت دراسة مشابهة، فى جامعة شمال بوسطن الأمريكية عام 2019، وأشارت إلى أنه لا يوجد قاموس لمعانى السلوكيات غير اللفظية، لأن الأمر سياقى بالدرجة الأولى، ويتأثر بحالة الشخص النفسية، وبالإثنية أو الجنسية التى يحملها، وبثقافة المجتمع الذى يعيش فيه، ما يفيد أن تفسيرات لغة الجسد تختلف باختلاف الأشخاص، والزمان والمكان والحدث.. ولعل اللافت دراسة أجرتها جامعة بورتسموث البريطانية عام 2020 على خبراء فى لغة الجسد، تمت مطالبتهم بتحديد هويات مهربى المعابر الحدودية، بين أمريكا والمكسيك، والتفريق بينهم وبين الأشخاص العاديين، وذلك عن طريق مقابلات سجلت معهم بالفيديو، وكانت النتيجة أن 39,2% من هؤلاء الخبراء استطاعوا التعرف على المهربين، والبقية أو 61,8% سجلوا فشلًا مدويًا، ولم يتعرفوا على أحد، ووقع بعضهم فى فخ الاشتباه بأشخاص عاديين، والنسبة إجمالًا أقل بمراحل من احتمال اكتشافهم بالصدفة من قبل آخرين لا يفهمون شيئًا فى لغة الجسد.
مشروع الجينيوم البشرى الذى تم إنجازه فى 2004، أو قبل 21 عامًا، افترض أن الناس الموجودين فى الوقت الحالى ينحدرون فى الأصل من مجموعة بشرية واحدة، عاشت فى شرق أفريقيا قبل خمسين ألف عام، وعددها قرابة خمسة آلاف زوج وزوجة، وفى تلك الأيام لم تكن اللغة حاضرة، وكان التواصل يتم عن طريق الأصوات والحركات والإيماءات، ما جعلها بمثابة قاموس لغوى، يتعاملون به مع بعضهم، أو هذا ما يروج له أصحاب لغة الجسد، والأخير لم ينتشر بشكل واسع، إلا فى 1976، عندما قام الأمريكى من أصل أفريقى يوليوس فاست، بنشر كتابه "لغة الجسد"، وبعدما حقق من ورائه مبيعات وصلت لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة، ما حرض الكثيرين على البحث فى الموضوع وتطويره، ومن ثم المتاجرة به.
بعض المهتمين يعتقدون أن نظرة العين كافية لكسب أو خسارة الشخص المقابل، ويعتبرون الجلوس والوقوف بأسلوب معين، سببًا لفقد الشخص فرصته فى الحصول على وظيفة، ولغة الجسد لا تزال محلًا للاهتمام، خصوصا فى مناظرات سباق الرئاسة الأمريكية، والمحللون يتعاملون معها وكأنها حقائق، ويعتقد محققو مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى أنها مناسبة فى مرحلة الاستجواب، ومن وجهة نظرهم، تعتبر الجبهة المكان الأكثر إنتاجًا للإشارات، وبالأخص علامات الغضب والتعجب، وشكلها يساعد فى معرفة ما إذا كان الشخص عصبيا أو هادئًا أو متوترًا، وما سبق يمثل رأيًا جنائيًا، وأرجح أنها مجرد افتراضات مفيدة كقرائن مساعدة، ولكنها لا تصل إلى مستوى الدليل أو تقترب منه.
لغة الجسد تتقاطع مع الإنثربولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ويجوز اعتبارها من أشكال الفراسة، لأنها تستدل على معرفة الدواخل بالظواهر، والدراسات أكدت أن الأشخاص يفكرون بـ800 كلمة فى الدقيقة الواحدة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير إلا عن 120 كلمة فى ذات المدة، وأنه ليس بإمكانهم التحكم إلا فى 10% من لغة أجسادهم.
الصحيح أن لغة الجسد لا تصلح فى أحسن الأحوال إلا لتحليل المواقف اللحظية، وأكثر من يهتم بها السياسيون والإعلاميون والممثلون، ومتحدثو الأجهزة الحكومية والخاصة، باعتبارها مفيدة لهم فى أعمالهم، كونها تعتمد على التصرفات الآنية المباشرة، وتنقل رسائل غير منطوقة تستهدف من يشاهدونهم.
بدر بن سعود
جريدة الرياض السعودية
النص الأصلي
https://tinyurl.com/33wk7u97

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة