الحجم السكانى.. وعدالة التصويت فى الجامعة العربية - عنتر عبدالعال أبوقرين - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحجم السكانى.. وعدالة التصويت فى الجامعة العربية

نشر فى : السبت 13 أبريل 2019 - 10:25 م | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2019 - 10:25 م

عند تأسيس الجامعة العربية عام 1945، كان المؤسسون الكبار جميعهم يدفعهم الصدق والنوايا الحسنة المخلصة، وتشغل عقولهم فكرة كبرى بالانتماء لوطن عظيم كبير. لذا، كانوا يحلمون بأن تتخذ قراراتهم عن طريق التوافق والتفاهم. واستمرت الجامعة العربية على هذا النظام حتى اضطرت عام 2005 لتعديل نظام التصويت فيها، بعد أن أصبحت بعض هذه الدول تغرد خارج السرب العربى، وربما تحالف بعضهم مع بعض الدول الإقليمية المهددة للعالم العربى. وقد جاء التعديل ليجعل اتخاذ القرارات فى الجامعة العربية بأغلبية الثلثين من عدد الدول الأعضاء فى القضايا الموضوعية بدلا من الإجماع.
وسواء فى النظام الأول أو المعدل، فإن نظام التصويت فى الجامعة العربية يمنح ثقلا متساويا للدول، وهو ما قد يبدو جيدا من الناحية العاطفية والنظرية؛ إلا أنه يهدر تلك المساواة والعدالة على مستوى حق الأفراد فى ثقل تصويتى متساوٍ. فطبقا لنظام التصويت الحالى فى الجامعة، فإن الثقل التصويتى للفرد فى الدول صغيرة الحجم السكانى أعلى بكثير من نظيره فى الدول كبيرة الحجم. فلا يعقل أن يكون الثقل التصويتى للفرد القطرى يعادل أكثر من 350 مرة الثقل التصويتى للمواطن المصرى فى 2018. وحتى فى حال احتساب جميع الموجودين فى الدولة، فإن الثقل التصويتى للفرد الهندى أو البنجالى أو غيرهم من الأجانب المقيمين فى قطر يعادل 40 مرة الثقل التصويتى للمواطن المصري!. بالمناسبة؛ تتعدى نسبة الأجانب فى قطر أكثر من 88% من إجمالى السكان، وأن عدد الهنود فى قطر عام 2018 قد تجاوز 650 ألف نسمة، بينما لم يتجاوز عدد السكان القطريين 330 ألف نسمة، وذلك طبقا للبيانات الصادرة عن CIA.
هذا الوضع يهدر من قيمة الثقل السكانى لمصر، كما أنه يهدر حق مواطنيها فى تمثيل عادل عند اتخاذ القرارات الحيوية العربية. فكيف نطالب المواطن المصرى أن يتحمل تبعات قرارات لم يكن له صوت عادل فى صياغتها وإقرارها؟! كما أن هذا الوضع قد أعطى بعض الدول إيحاء زائف بحجم وتأثير سياسى كبير؛ وهو ما انعكس سلبا على قدرة الجامعة العربية على اتخاذ قرارات ومواقف جادة تنتظرها الشعوب. وفى ظل هذه العبثية فى آلية اتخاذ القرار، فإن ما آلت إليه الجامعة العربية من صورة هزلية فى ذهن المواطن العربى، قبل الأجنبى، يعتبر أمرا حتميا، فالنتائج مرتبطة بالمقدمات.
***
ولتصحيح ذلك الخلل، ينبغى الاستفادة من نظم التصويت فى المنظمات الإقليمية الناجحة والفاعلة. وفى هذا الصدد، يعتبر نظام التصويت فى الاتحاد الأوروبى نموذجا رائعا. فقد حرص هذا النظام على احترام الثقل السكانى للدول فى عملية اتخاذ القرار. ويكفى هنا أن نشير إلى النزاع الذى كان محتدما عام 2003 حول حصص التصويت التى تخصص لكل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبى. فقد طالبت الدول الأكبر سكانا بحصة أكبر فى التصويت؛ وأنه ليس من المنطقى أن بلدا مثل ألمانيا كان يبلغ تعداده 82.5 مليون نسمة، يكون له حصة تصويت مساوية لوكسمبورج التى لم يتجاوز تعدادها 453 ألفا فى حينه.
وبعد جدال شديد بين دول الاتحاد الأوروبى حول تأثير الثقل السكانى فى اتخاذ القرار، تم اعتماد نظام تصويتى عادل يراعى سيادة كل دولة ولا يتجاهل الثقل السكانى للدول. ففى القرارات الإجرائية، يتم اعتماد القرار بالأغلبية (بعدد الدول)؛ أما فى القرارات الموضوعية، يعتمد الاتحاد الأوروبى ما يعرف بالأغلبية المزدوَجة (أو الأغلبية المؤهِلة)، وهى أنه لا يتم اعتماد أى قرار رسميًا إلا إذا صوتت أغلبية دوله الأعضاء بـ«نعم»، وكان التصويت بـ«نعم« يمثل فى الوقت نفسه ما لا يقل عن 65% من سكان أوروبا. ولحماية الدول صغيرة الحجم السكانى، ولضمان عدم انفراد الدول كبيرة الحجم السكانى بصنع القرار، قدم الاتحاد الأوروبى ما يعرف بـ «الأقلية المانعة»؛ وهى أن أى عدد من الدول، تشكل فى مجموعها 35% من السكان، تستطيع نقض القرار ووقفه.. هكذا تحترم المؤسسات شعوبها، وتنتج قرارات ناضجة عادلة تحترمها الشعوب.
وأخيرا، وفى ظل النظام التصويتى الجائر ضد المصريين، على وجه التحديد، فإنه على الدبلوماسية المصرية أن تطالب، وأن تعمل بجد، على تصويب تلك الأوضاع المعوَجة حفاظا على الجامعة العربية نفسها؛ وحفاظا على حق المواطن المصرى الذى أقسموا على رعايته والحفاظ عليه.

عنتر عبدالعال أبوقرين  استاذ مساعد التخطيط العمراني والا قليمي،كلية الهندسة،جامعة المنيا
التعليقات