السياسات السكانية الدولية.. جائرة متحيزة - عنتر عبدالعال أبوقرين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسات السكانية الدولية.. جائرة متحيزة

نشر فى : الخميس 12 يوليه 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 12 يوليه 2018 - 9:30 م

فى ضوء السعى الحثيث لحكومتنا الرشيدة للحد من السكان فى مصر بزعم أن النمو السكانى فى مصر مرتفع، وأنه يلتهم النمو الاقتصادى، فقد أوضحت فى مقالى السابق فى جريدتكم الغراء بتاريخ الاثنين 2/7/2018، أن مصر تعانى من تناقص فى معدلات النمو السكانى وليس العكس كما يزعمون. كما تم توضيح المخاطر الاستراتيجية المحتملة للتناقص السكانى فى مصر. وقد أختتم المقال بالتوصية بألا نثق كثيرا فى توصيات ونصائح الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالسكان والتنمية... إذ إن «السياسات السكانية الدولية لها أهداف أخرى... غير بريئة». ونحاول فى هذا المقال توضيح كيف غابت هذه البراءة عن السياسات السكانية الدولية عندما تحيزت بشكل جائر لصالح الغرب على حساب العالم النامى.
فقد أدت تلك السياسات السكانية الجائرة إلى تناقص حاد فى معدل الخصوبة فى الدول النامية، من 6.08 عام 1955 إلى 2.65 فقط عام 2015، وهو ما يشكل تراجعا مقداره 3.43 طفل لكل سيدة. أما فى الدول المتقدمة، فقد انخفض معدل الخصوبة من 2.82 سنة 1955 إلى 1.67 سنة 2015، وهو ما يشكل تراجعا مقداره فقط 1.15 طفل لكل سيدة؛ وإن كان ذلك التراجع سببه ذاتى يتمثل فى تغييرات اجتماعية وسلوكية داخلية فى هذه المجتمعات، وليس مفروضا عليها كما هى الحال فى الدول النامية.
الخطير هنا، أن معدل الخصوبة الحالى فى العالم النامى أقل من معدل الخصوبة الذى كان فى دول العالم المتقدم عام 1955، والتى تعانى أغلبها حاليا من مشاكل ديموغرافية حادة. وهو ما يعنى أن العالم النامى يسير فى نفس الطريق نحو مشاكل ديموغرافية مشابهة. وهو ما تستوجب عدم الاستمرار فى تطبيق نفس السياسات السكانية التى تدفع بسرعة نحو تلك المشكلات الديموغرافية.
وتتزايد خطورة ذلك التحيز ضد العالم النامى عند تحليلنا للتوقعات المستقبلية لمعدل الخصوبة فى العالم حتى عام 2100. فطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يواصل معدل الخصوبة فى العالم النامى تناقصه ليصل إلى 2.33 عام 2045؛ والذى يعتبر هو حد الإحلال السكانى فى العالم النامى. وهو ما يعنى، أن العالم النامى سوف يدخل فى مرحلة التناقص السكانى اعتبارا من 2045. ومن المتوقع أن تتسارع حدة التناقص السكانى فى العالم النامى مع تسارع حدة التناقص فى معدل الخصوبة فيه ليصل إلى 2.02 فقط عام 2100. وعلى الرغم من تلك الحقائق التى لابد وأن الأمم المتحدة تعلمها علم اليقين، إلا أنها ما زالت تشجع وبشدة على خفض معدلات الخصوبة والحد من السكان فى العالم النامى؛ وهو ما يمثل تحيزا غير مبرر ضد العالم النامى.
ويتأكد تحيز تلك السياسات لصالح العالم المتقدم إذا ما علمنا أنه بينما يتناقص معدل الخصوبة فى العالم النامى بهذه الحدة، فإن معدل الخصوبة فى العالم المتقدم قد بدأ فى التزايد منذ عام 2000، من 1.57 سنة 2000 ليصل إلى 1.88 عام 2100 (انظر الشكل المرفق). وعليه، فإن هذه السياسات السكانية المتحيزة قد قللت من فارق الخصوبة بين دول العالم النامى والمتقدم من 3.25 عام 1950 إلى 0.98 فقط عام 2015، ومن المتوقع أن يستمر تقلص هذا الفارق ليصل إلى 0.12 فقط عام 2100؛ بل إنه فى تقديرات الأمم المتحدة لسكان العالم عام 2300، من المتوقع عام 2100 أن يصبح معدل الخصوبة فى الدول المتقدمة (2.06) أعلى من الدول النامية (1.89). وهو ما يعنى أن هذه السياسات السكانية الجائرة لم تكن إلا أدوات تصحيحية للمشاكل الديموغرافية الحادة فى العالم المتقدم... على حساب العالم النامى.
ويتضح مدى تحيز تلك السياسات السكانية الدولية عند المقارنة على مستوى الدول. فبينما كان الفرق فى معدل الخصوبة بين مصر وإسرائيل 2.47 طفل لكل سيدة خلال 1950ــ1955 لصالح مصر، تقلص ذلك الفارق إلى 0.34 فقط خلال 2010ــ2015؛ الأخطر، إنه
من المتوقع أن ينقلب الموقف لصالح إسرائيل بحلول عام 2100، ليصبح معدل الخصوبة فيها أعلى من نظيره فى مصر بنحو 0.04.

عنتر عبدالعال أبوقرين  استاذ مساعد التخطيط العمراني والا قليمي،كلية الهندسة،جامعة المنيا
التعليقات