أزمة المناخ.. والعدالة الغائبة - عنتر عبدالعال أبوقرين - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة المناخ.. والعدالة الغائبة

نشر فى : الثلاثاء 13 سبتمبر 2022 - 7:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 سبتمبر 2022 - 7:00 م
على الرغم من تعدد القِمَم الدولية حول المُنَاخ، والتى وصلت إلى ست وعشرين قمة، منذ قمة ستوكهولم عام 1972 وحتى قمة جلاسكو 26 (COP26) فى 2021، إلا أنها لم تُسفِر عن نتائج ملموسة فى مواجهة التداعيات الخَطِرة المتوقعة للتغير المُنَاخى. ويرى العديد من الخبراء أن السبب فى هذا الأداء الباهت، الذى لا يتناسب مع خطورة الحدث، هو أن توصيات تلك القِمَم قد جاءت، فى غالبيتها عامة، ومُفتقدَة للعدالة والإلزام. ومن أجل مواجهة جادة لهذه الأزمة، والتى تُعد مُشكلة عالمية، يجب التأكيد على أن مسئولية معالجتها يجب أن يتحملها، بالدرجة الأولى، أولئك الذين قد تَسَبَبوا فيها وتَرَبحوا منها؛ وهو ما يتهرب الغرب منه رغم ثرائه الذى جاء على حساب البيئة. هذا ليس تطرفا فى القول، بل دعوة صادقة لمواجهة جادة لأزمة المناخ التى تهدد العالم بأسرِه.
ومن أجل مواجهة جادة وعادلة لقضايا المُناخ، نحاول فى هذا المقال توضيح كيف يتهرب الغرب من مسئولياته فى مواجهة تداعيات التغير المناخى، وكيف أصبح الغرب أكثر جورا، عندما يُطالِب ويُلزِم، العالم النامى باتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة هذه الأزمة. وفى الختام، يقدم المقال بعض المقترحات لتصويب تلك الأوضاع.

الغرب.. المُتَسَبِب الرئيسى فى التغير المناخى
يُظهِر تقرير «برنامج الأمم المتحدة للبيئة ــUNEP»، الصادر عام 2020، تحت عنوان «تقرير التفاوت فى الانبعاثات ــ Emissions Gap Report 2020»، أن هناك تفاوتا كبيرا فى حجم الانبعاثات الكربونية الصادرة عن الأغنياء فى الغرب والفقراء فى العالم النامى، على النحو التالى:
ــ أن أغنى 1% من سكان العالم يتسببون فى 15% من إجمالى الانبعاثات الكربونية فى العالم؛ وهو ما يعادل أكثر من ضعف ما يتسبب فيه أفقر 50% من سكان العالم (7.0%)، والذين هم من العالم النامى بصورة أساسية.
ــ أن دول مجموعة العشرين مسئولون عن 80% من الغازات المسئولة عن الاحتباس الحرارى.
وطبقا لأحدث الدراسات الصادرة عن World Economic Forum فإن أغنى 10% من سكان العالم يتسببون فى نحو 50% من إجمالى الانبعاثات الكربونية فى العالم. وطبقا لبيانات البنك الدولى، فإن نصيب الفرد من تلك الانبعاثات فى الولايات المتحدة قد بلغ 14.7 طن عام 2019؛ وهو ما يعادل 50 مرة نظيره فى الدول منخفضة الدخل.
أما عند الأخذ فى الاعتبار التأثير التراكمى لما أنتجته الدول من انبعاثات كربونية منذ بدء الثورة الصناعية، فإن مسئولية الغرب عن التغير المناخى تصبح أكثر وضوحا. فطبقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول المناخ، فإن الدول المتقدمة قد تسببت فى 95% من الانبعاثات الكربونية الأحفورية فى العالم منذ بداية الثورة الصناعية وحتى عام 1950. كما أن الولايات المتحدة كانت هى الأعلى فى العالم، وتعتبر مسئولة بمفردها عن 25% من هذه الانبعاثات؛ وهو ما يعتبر ضعف ما تُصدره الصين من هذه الانبعاثات خلال هذه الفترة، كما أن الاتحاد الأوروبى، بدولة الـ 28، هو ثانى أكبر منتج لثانى أكسيد الكربون فى العالم، بنسبة 22% من الإجمالى العالمى. أما الدول عالية الانبعاثات الكربونية اليوم، كالهند والبرازيل، فليس لها تأثير كبير عند المقارنة بإجمالى الانبعاثات منذ 1751م.
الأخطر، وحسب الجارديان وعدد من مراكز الدراسات الدولية، فإن كل ما ذكرناه سابقا من أرقام حول الانبعاثات الكربونية لا يشمل ما يَصدُر عن الجيوش. وطبقا للمراجعة الإحصائية لشركة «بريتيش بتروليوم ــ BP» حول الانبعاثات الكربونية فى العالم عام 2017، فإن الجيش الأمريكى قد تسبب فى انبعاثات كربونية تُقَدَر بنحو 59 مليون طن، وهو ما يعتبر أعلى انبعاثات بعض الدول، كالسويد والنرويج وفنلندا والدنمارك والمغرب. ووفقا لبحث أجرته جامعة «براون» الأمريكية، يأتى البنتاجون فى المرتبة 55 بين دول العالم من حيث حجم تلك الانبعاثات. وهو ما تتعاظم معه مسئولية الغرب عن التغير المناخى لما لديه من جيوش ضخمة، ولما شنه من حروب كبرى؛ وما نتج عنها من انبعاثات كربونية نتيجة للانفجارات والحرائق.

الغرب.. يَتَهَرَب من مسئولياته
منذ قمة استكهولم عام 1972، وحتى قمة غلاسكو 26 (COP26) فى 2021، كان الغرب بارعا فى التهرب من مسئولياته فى مواجهة التغير المناخى. وخلال هذه القمم كان هناك حدثان مهمان فى مواجهة التغير المناخى، بروتوكول كيوتو واتفاق باريس.
بروتوكول كيوتو (Kyoto Protocol) يُلزم البلدان الصناعية والاقتصادات التى تمر بمرحلة انتقالية بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى وخفضها وفقا للأهداف الفردية المتفق عليها. وقد حدد البروتوكول أهدافا ملزمة لخفض الانبعاثات لـ 37 دولة صناعية واقتصادات تمر بمرحلة انتقالية. وقد واجه هذا البروتوكول اعتراضات حادة من دول الغرب؛ لأنه يُلزم البلدان المتقدمة فقط، ويضع عبئا ثقيلا عليها بموجب مبدأ «المسئولية المشتركة المتباينة والقدرات الخاصة»، لأنه يعترف بأنها مسئولة إلى حد كبير عن المستويات العالية الحالية لانبعاثات غازات الكربون فى الغلاف الجوى. ونتيجة لهذه الاعتراضات الغربية، فإن هذا البروتوكول، والذى اعتُمد فى 11 ديسمبر 1997، لم يدخل حيز التنفيذ إلا فى فبراير 2005. ليس هذا فحسب، فمع دخول هذا البروتوكول حيز التنفيذ الفعلى، وبدء تنفيذ الالتزامات فى 2008، كانت «اتفاقية باريس»، والتى تُحَرِر الدول الصناعية من التزامات «كيوتو»، قد دخلت مرحلة التوقيع والاعتماد.
أما اتفاق باريس 2015 (Paris Agreement) فقد جاء بعد مفاوضات حثيثة برعاية غربية، خلال «مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخى»، فى باريس. وقد هللت الدول الأوروبية لهذا الاتفاق، واعتبرته اتفاقا مناسبا ومتوازنا وملزما قانونا! وذلك لأن هذا الاتفاق قد أنهى الإلزام الذى فرضه اتفاق كيوتو على الدول الصناعية، ولا يلزم أى دولة بكميات محددة من الانبعاثات، لكنه يلزم كل الدول بتقديم «مساهمات قومية» لتخفيض الانبعاثات تحددها كل دولة «طواعية» (Nationally Determined ContributionsــNDCs)، تعكس قدرات كل دولة ومسئوليتها، دون تحديد لهذه المسئولية؛ ودون أن تُقَرِق بين مَنْ تسبب فى التغير المناخى، وبين مَنْ أصبح ضحية له. وفى محاولة لتجميل الصورة، تذكر الاتفاقية فى المادة (9): «تقدم البلدان المتقدمة موارد مالية لمساعدة البلدان النامية على تحمل تبعات التغير المناخى والتكيف معها»؛ وذلك دون تحديد لقيمة هذه الموارد، ودون إلزام بها؛ وهو ما يجعلها أقرب إلى «الهبة»، التى لم ترغب أى من دول الغرب فى تقديمها إلى اليوم!
الغريب، ورغم تحرير تلك الاتفاقية للغرب من أية التزامات فعلية، فقد انسحبت الولايات المتحدة منها فى 1 يونيو 2017 بزعم أنها «تُقَوِض» الاقتصاد الأمريكى، وتضع الولايات المتحدة «فى وضع غير مؤاتٍ بشكل دائم»! وفى محاولة لتجميل صورتها دوليا، عادت الولايات المتحدة إلى تلك الاتفاقية فى فبراير 2021.

الغرب.. يُلقى بالمسئولية على الضحية!
بعد أن نجح الغرب فى التهَرُب من مسئولياته الجسيمة والموثقة عن التغير المناخى، وبعد تَحَرُرِه من كل التزاماته، تمادى الغرب كعادته، مطالبا العالم النامى باتخاذ إجراءات جادة للحد من التبعات السلبية للتغير المناخي! الأدهَى، أن الغرب يُبَرِر مَطالِبه تلك بأن تبعات التغير المناخى على العالم النامى تؤثر سلبا على الاقتصاد والأمن فى الغرب! ولتحقيق غايته تلك، ومعتمدا على خبرته الطويلة فى الاحتيال على العالم النامى، تَفَتَق ذهن الغرب عن حِيلتين مَاكِرَتين لإلزام العالم النامى بالحد من الانبعاثات الكربونية:
الأولى، مطالبة الدول النامية بتحرير سعر الطاقة، ورفع الدعم الحكومى عن المحروقات، وهو ما يؤدى حتما إلى رفع سعر الوقود بدرجة كبيرة، ويقلل من استهلاكه، وهو ما يقلل من الانبعاثات الكربونية. ولكن ما يتجاهله الغرب هو التبعات الاقتصادية لهذا الإجراء على تلك المجتمعات الفقيرة؛ كما أن رفع أسعار الطاقة يرفع سعر المنتجات الصناعية فى العالم النامى، وبالتالى يقلل من نفاذيتها إلى الخارج. وهو ما يُضعِف النمو الاقتصادى لهذه الدول. أما من حيث كيفية إلزام الدول النامية بهذا الإجراء، فيتم من خلال صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وجَعْل هذا الأمر شرطا من شروط الإقراض لهذه الدول الفقيرة. ويُبَرِران ذلك بزعم أن رفع دعم الطاقة سوف يوفر موارد مالية تُساعد تلك الدول فى سداد ديونها.
الثانية، فرض ضريبة الكربون، وتهدف، كما يروج لها الغرب، إلى دفع الصناعات إلى الحد من انبعاثاتها الكربونية، واستغلال عوائد تلك الضريبة فى معالجة آثار التغير المناخى. وطبقا لرؤية الاتحاد الأوروبى، فإن أولئك الذين لا يستطيعون، أو لا يريدون، فرض ضريبة الكربون عليهم دفع الضريبة كاملة. ويعتزم الاتحاد الأوروبى تطبيق تلك ضريبة على مراحل خلال السنوات الأربع القادمة، إلا أن تلك الضريبة لن تُفرض حتى عام 2026. ويرى العديد من الخبراء بأن تلك الضريبة تضر باقتصاديات الدول النامية بشكل بالغ؛ كما أنها تُحَمِل الفقراء كلفة التغير المناخى الذى لم يتسببوا فيه. وطبقا لما أصدرته منظمة«Project «Syndicate للرأى، فإنه من المتوقع أن تتجاوز إيرادات الاتحاد الأوروبى السنوية من تلك الضريبة أحد عشر مليار دولار. وترى تلك المنظمة أن هذه الإيرادات من المُتوقَع أن تستخدم فى دعم صندوق الاتحاد الأوروبى للتعافى من جائحة كورونا!.. يا لها من حيلة! يحقق الغرب من خلالها الحد من الانبعاثات الكربونية على حساب الفقراء، وتوفر له عوائد لدعم الأغنياء الذين كانوا هم السبب فى التغير المناخي! وإذا كان تطبيق تلك الضريبة ضروريا، أفلا تقتضى العدالة أن يدفعها الغرب بأثر رجعى للعالم النامى عن كل ما صَدَروه إليه خلال القرنين الماضيين، وليس العكس؟!
واليوم، ونحن على أبواب قمة المناخ السابعة والعشرين (COP27)، والتى ستعقد فى مصر فى نوفمبر القادم، فإنه من الضرورى أن يتكاتف العالم النامى خلال تلك القمة ضد تلك الأوضاع الجائرة، مطالبا بمراجعة جادة لاتفاقية باريس لتكون أكثر عدالة وإلزاما؛ فبدون «العدل» لن يكون هناك عمل مُخلِص؛ وبدون «الإلزَام» سيتحول الأمر إلى ما يشبه الدعوة إلى المساهمة فى عمل خيرى، والذى ربما لا يرغب الكثيرون فى نَيل ثوابه.
عنتر عبدالعال أبوقرين  استاذ مساعد التخطيط العمراني والا قليمي،كلية الهندسة،جامعة المنيا
التعليقات