رموز عيد الميلاد المجيد
السبت 20 ديسمبر 2025 - 7:00 م
نعيش اليوم فى عالمٍ مثقلٍ بالأخبار القاسية؛ عنف يتزايد، وبطالة تخنق الأحلام، وأزمات اقتصادية تُرهق البيوت، واضطرابات سياسية تُفقد الإنسان شعوره بالأمان. واقع يومى يجعل القلق رفيق الحياة، ويُربك القلوب قبل العقول، ورغم هذا المشهد المزدحم بالألم، يتوقف العالم ليحتفل بعيد ميلاد يسوع المسيح.
إنَّ عيدَ الميلاد لا يتجاهل الواقع، ولا يُزيِّن الألم، بل يدخل إليه. فالمسيح لم يولد فى زمنٍ مثالى، ولا فى ظروفٍ مريحة، بل جاء إلى عالمٍ مُتعبٍ يشبه عالمَنا اليوم، ليقول إنَّ الله حاضرٌ فى قلب المعاناة، وإنَّ الرجاء يمكن أن يولد حتى فى أقسى الظروف.
لذلك يظلُّ عيدُ الميلاد احتفالًا بالحياة وسط الموت، وبالنور وسط العتمة، وبالأمل الذى لا تُسقطه الأزمات مهما اشتدت. هو تذكير بأنَّ الواقع قد يكون صعبًا، لكنَّ المحبة أقوى، وأنَّ الله لم يترك الإنسان وحده فى صراعه اليومى.
بدأ الاحتفال بعيد الميلاد المجيد فى بداية القرن الرابع، بعد أن اعترف الملك قسطنطين سنة 312 بالمسيحية كأحد أديان الدولة الرومانية. أما قبل ذلك، فقد كان عيد القيامة هو العيد الوحيد الذى تحتفل به الكنيسة؛ إذ قبل عصر السلام مع قسطنطين كان عصر الشهداء، وكانت الكنيسة مضطهدة وتعيش فى الدياميس. ورغم أن الكتاب المقدس لا يذكر تاريخًا محددًا لميلاد يسوع، فإن آباء مجمع نيقية الأول سنة 325، ومجامع أخرى، قد حددوا التاريخ الذى نحتفل به اليوم.
بدأ العيد بتاريخ 6 يناير، وكانوا يحتفلون بأربعة أعياد: عيد الميلاد، وعيد زيارة المجوس، وعيد الغطاس، وعيد معجزة عرس قانا الجليل، وكانوا يسمونها أعياد الظهور. ولما كان 25 ديسمبر هو عيد الشمس عند الوثنيين، رأت الكنيسة وضع لمسة مسيحية على العيد حتى لا يحتفل المسيحيون الأوائل بعيدين، الوثنى والمسيحى معًا، وبما أن المسيح يسوع هو شمس العدل ونور العالم وشمس البر، نُقل عيد الميلاد فقط من 6 يناير إلى 25 ديسمبر. والكنيسة الوحيدة التى ما زالت تحتفل بالعيد كما كان فى الأصل هى كنيسة الأرمن الأرثوذكس، التى كنيستها بشارع رمسيس بجوار مستشفى القبطى.
أما الاختلاف بين الكنيسة الغربية وبعض الكنائس الشرقية فى تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد فيرجع إلى أن الكنيسة الغربية تتبع التقويم الغريغورى الذى يستعمله العالم أجمع (يناير، فبراير، مارس، أبريل... وهكذا)، بينما تتبع الكنائس الأخرى، ومنها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة الكاثوليكية فى الصعيد، والكنيسة الروسية الأرثوذكسية، التقويم اليوليانى. والفرق بين التقويمين هو 13 يومًا، ولكن فى كلا التقويمين كان عيد الشمس قديمًا هو الذى أصبح عيد الميلاد فى الحالتين.
تلتف حول عيد الميلاد احتفالات روحية وتراتيل مبهجة، كما تتزين المنازل والمحلات والشوارع والكنائس، وأهمها: المغارة التى ترمز إلى مغارة بيت لحم، والتى بدأ تقليدها مع القديس فرنسيس الأسيزى فى بداية القرن الثالث عشر، مع وضع الطفل يسوع فى المنتصف، ثم القديسين يوسف ومريم، وأيضًا المجوس والرعاة، مع بعض الحيوانات، خاصة الحمار والثور، نسبة إلى نبوءة أشعيا النبى عن المسيح الذى لم يعترف به اليهود: «الثور عرف قانيه، والحمار عرف معلف صاحبه، أما شعبى إسرائيل فلم يعرفنى». ثم الشجرة الخضراء التى ترمز إلى جذع يسى، أحد أجداد المسيح يسوع، وأيضًا إلى شجرة الحياة المذكورة فى سفر التكوين من العهد القديم، وتُضاء بالشموع رمزًا ليسوع المسيح نور العالم. ويوضع فيها كُوَرٌ يغلب عليها اللون الأحمر رمزًا للثمرة الجديدة، ثمرة الحياة التى يعطيها يسوع المسيح بدلًا من ثمرة الموت التى أخرجت آدم وحواء من الجنة. أما النجمة فهى تشير إلى النجمة التى هدت المجوس الثلاثة الآتين من بلاد المشرق، وهم من الأغنياء والحكماء الوثنيين الذين جاءوا ليسجدوا ليسوع المسيح، بينما الرعاة هم من فقراء اليهود الذين جاءوا ينتظرون خلاصًا بعيدًا عن صراعات الأحزاب السياسية الدينية التى كانت على الساحة فى ذلك الزمن.
أحببت أن أُكرِّس مقالى هذا إلى القراء الأعزاء عن عيد الميلاد، حتى يعرف الجميع أصل العيد ورموزه وأهمية الاحتفال به احتفالًا روحيًا. وبمناسبة العيد يُذكر اسم مصر، إذ كانت الملاذ والملجأ للسيد المسيح وعائلته هربًا من بطش هيرودس، وكذلك عودته إلى الناصرة تحقيقًا لنبوءة العهد القديم: «من مصر دعوت ابنى». فليحفظ الله مصر المباركة من كل سوء وشر.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا