x قد يعجبك أيضا

النيل.. والقلق الوجودي!

الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:20 م

 

حالة التباهى التى تحدَّث بها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد من أمام سد النهضة المزمع افتتاحه رسميًا خلال الشهر الجارى، تعكس بلاشك قدرًا كبيرًا من الصلف والغرور والغطرسة، الناتجة عن تمكنه للمرة الأولى فى التاريخ من تقييد التدفق السلس لنهر النيل إلى دولتى المصب.

فقبل أيام قليلة، قال آبى أحمد إن «السد لم يعد مجرد مشروع تنموى لتوليد الطاقة، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا يعيد صياغة موقع بلاده فى معادلة القوة الإقليمية»، مشيرًا إلى «انتهاء قرون من الركود الجيوسياسى وبدء عصر جديد من التنمية والسيادة الوطنية»، مضيفًا: «يمكننا بناء المزيد من السدود فى حوض النيل لتوليد كميات هائلة من الطاقة»، ومتعهدًا بعدم المساس بالحصة المائية لدولتى المصب مصر والسودان على حد زعمه.

تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى تنطوى بالتأكيد على فوائض من أوهام القوة الزائفة، التى تصوِّر له إمكانية السيطرة على نهر النيل، وتحويله من نهر دولى إلى مجرد بحيرة داخلية يمكن لصاحبها أو المتحكم فيها منح أو منع مياهها عن الشركاء فى هذا المجرى المائى المهم والحيوى والتاريخى، والذى يمثل لدولتى المصب وتحديدًا مصر «مسألة حياة أو موت»، وبدونه لن يكون هناك وجود لشعبها.

ووفقًا لتقرير أصدره البنك الدولى فى نهاية شهر أبريل من العام قبل الماضى، فإن «الشعوب فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تواجه شحًا غير مسبوق فى المياه».

وأشار التقرير إلى أنه «بنهاية العقد الحالى، ستنخفض كمية المياه المتاحة للفرد سنويًا عن الحد المطلق لشح المياه، البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويًا»، مضيفا أنه «بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية من المياه سنويًا، لتلبية احتياجات المنطقة»، موضحًا أن ذلك يعادل «إنشاء 65 محطة أخرى لتحلية المياه، بحجم محطة رأس الخير شرق السعودية، وهى الأكبر فى العالم فى الوقت الحالى».

مصر تدرك ذلك الواقع، بل وتعيش فى تفاصيله الصعبة والأليمة حيث تقع البلاد حاليا - وفقا للتقديرات والبيانات الرسمية لوزارة الرى - تحت خط الفقر المائى العالمى بواقع 500 متر مكعب للفرد سنويا، وبالتالى لا تستطيع السماح أو التفريط أو التنازل عن حقوقها الشرعية والتاريخية فى نهر النيل، الذى تعتمد عليه بنسبة 98 فى المائة لتلبية احتياجاتها من المياه سواء للشرب أو الزراعة، حيث تحصل على حصة مياه سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب.

هذه الحقائق دفعت الرئيس السيسى إلى التأكيد فى شهر أغسطس الماضى خلال مؤتمر صحفى مشترك بالقاهرة مع الرئيس الأوغندى يويرى موسيفينى على أن مصر «لن تسمح بالمساس بحصتها المائية»، مشيرًا إلى أن «من يعتقد أن مصر ستغض الطرف عن تهديد أمنها المائى فهو مخطئ»، مضيفا: «سنتخذ التدابير المكفولة كافة بموجب القانون الدولى للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية».

ليس هذا فحسب، بل إن اجتماع وزراء الخارجية والرى فى مصر والسودان، والذى عُقد بالقاهرة الأربعاء الماضى، قد أكد الاتفاق على «ضرورة تأمين الأمن المائى لدولتى مصب نهر النيل، والعمل المشترك للحفاظ على حقوق واستخدامات البلدين المائية كاملة، وفقا للنظام القانونى الحاكم لنهر النيل».

كما اتفق الجانبان على أن «السد الإثيوبى المخالف للقانون الدولى يترتب عنه آثار جسيمة على دولتى المصب ويمثل تهديدًا مستمرًا لاستقرار الوضع فى حوض النيل الشرقى طبقًا للقانون الدولى، لاسيما ما يتعلق بالمخاطر الجدية المترتبة على الخطوات الأحادية الإثيوبية لملء وتشغيل السد، وتلك المتعلقة بأمان السد، والتصريفات المائية غير المنضبطة ومواجهة حالات الجفاف».

هذه المواقف القاطعة والحاسمة ينبغى على دولتى المصب وتحديدًا مصر، التى ليس لديها بديل آخر للحياة سوى هذا النهر، العمل على رفع سقفها وإعلان التحدى والاستنفار والاستعداد لكل السيناريوهات فى المرحلة المقبلة، ليس فقط لإشعار إثيوبيا بأنه لا يمكن لها الإفلات ببناء سد النهضة من دون اتفاق قانونى ملزم ينظم عمله ويعالج شواغلها وقلقها الوجودى، ولكن أيضا وهذا هو الأهم قمع شهيتها المفتوحة لبناء سدود جديدة على النيل الأزرق بشكل أحادى، مثلما ألمح لذلك رئيس وزرائها بهدف تحقيق السيطرة الإثيوبية التامة على النهر، وإبلاغ بلاده على نحو قاطع وواضح لا يقبل الشك أو التأويل، بأن الظروف والملابسات التى أحاطت بإقدام أديس أبابا على بناء سد النهضة بشكل أحادى فى العشرية المنصرمة، لن تتكرر مهما كان الثمن أو التداعيات، لأن المسألة تتعلق هنا بمصير ووجود الشعب المصرى.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة