x قد يعجبك أيضا

الصعاليك

الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:20 م

فى نهاية الستينيات قام المخرج الفرنسى جاك ديراى بعمل ثنائى سينمائى يتكون من النجمين الأشهر فى تلك الآونة، وهما آلان ديلون وجان بول بلموندو، ويدور الفيلم بالأحياء الشعبية فى مدينة مارسيليا، حول اثنين من الأوغاد يقومان بالتشاجر معا، ثم يتعاونان فى مشاجرة ضد الخصوم، وبعد المنافسة يصبحان صديقين حميمين، مثل هذه الصداقة يتولد عنها مشاريع تجارية تنقلهما إلى مستوى اجتماعى، فيصبحان من أسياد السوق التجارية فى ميناء مارسيليا، وفى أثناء هذه العلاقة فإن هناك شيئا من المنافسة بينهما حول امرأة تدخل حياتهما، لكن يظل الاثنان على قوة العلاقة بسبب المصالح.

لا شك أننا ما إن نقرأ هذا الملخص حتى نتذكر فيلمين مشهورين فى السينما المصرية، الأول هو «الصعاليك» إخراج وتأليف داوود عبد السيد، وبطولة نور الشريف ومحمود عبدالعزيز ويسرا ومها أبو عوف، أما الفيلم الآخر فهو «سلام يا صاحبى» إخراج نادر جلال، وبطولة عادل إمام وسعيد صالح وسوسن بدر، ومثلما كان الفيلم الفرنسى يعبر عن التحول الاجتماعى الذى شهدته فرنسا فى تلك السنوات، فإن الفيلمين المصريين عبرا عن سنوات الانفتاح التجارى فى مصر وخاصة فى المدن الساحلية مثل الإسكندرية وبورسعيد، كل شىء مباح أمام الاستيراد والتصدير، مغلف بالتهليب والسرقات، ويمارسه رجال العصابات الذين يحققون ثروات، وأيضا يسيطرون على المجتمع، هؤلاء الأشخاص أطلق عليهم الفيلم اسم الصعاليك، ويجب أن يتألفوا لبعضهم البعض وألا يتداخلوا مع طبقات أخرى عاطفية على الأقل، ففى الفيلم فإن مرسى فى البداية صعلوك حقيقى يتزوج من فتاة من البيئة نفسها، ويظل محتفظا بها أثناء دخوله السجن، وهو لا يعرف أن علاقة ما قد حدثت بالصدفة بين زوجته وصديقه، وأن الابن الوليد هو ابن صلاح، صلاح هذا لم يرتبط بأى امرأة أخرى إلا عندما صار من أصحاب الثروات الكبرى، وشاهد المعيدة الجامعية منى التى شدت انتباهه، وهى فتاة قليلة التجربة، تمت تربيتها على أفضل ما تكون الأمور، لذا فإن صلاح حاول التقرب إليها بالحيل التى لا تفهمها، وعندما فهمت طلبت منه فسخ هذه العلاقة تماما ما أثر عليه وصدمه، فهو يريد من خلالها امتلاك تلك الطبقة التى كم طمح فى أن يصبح منها دون جدوى، وكانت صدمة صلاح فى ذلك أقوى من أى تجربة يمر بها شخص غير سوى كالسجن أو الخسارة المادية، وقد أراد داوود عبد السيد أن يؤكد أن الصعلوك يظل فى داخله صعلوكا مهما كثرت الأرقام التى يمتلكها فى البنوك، أو عدد الشركات التى استطاع الحصول عليها بشكل شرعى أو لا، وإذا كان البطلان فى «بورسالينو» قد افترقا بعد أن مات أحدهم على يد عصابات منافسة، فإن معركة تدور بين صلاح ومرسى بعد أن يكتشف هذا الأخير ما اقترفته زوجته قبل سنوات مع صديق عمره وشريكه.

لا شك أن تلك الأفلام عبرت عن الزمن التى حدثت فيه، زمن التهليب والانفتاح وسيطرة الفساد، وهناك اختلاف واضح بين فيلم «سلام يا صاحبى» وبين الفيلم الفرنسى فالفتاة التى شاركتهما حياتهما كانت تحب بركات وفضلته على صديقه، أما منى فى «الصعاليك» قد كان حلمها هو الهجرة للحصول على عالم أكثر اتساعا، بينما الزوجة آلت إلى وعاء للإنجاب، وصارت راضية بشكل ملحوظ لكل ما حصلت عليه من مكاسب من هذه الصداقة الطويلة بين زوجها وصديقه، ومن الممكن أن نجد مشاهد لفيلم «الصعاليك» موزعة بشكل متناثر على الكثير من أفلام الانفتاح التى تم إنتاجها فى الثمانينيات، أى أن سنوات الانفتاح قد طالت فى بلادنا ما أسفر عن إنتاج أفلام كثيرة عن هذه الظاهرة، وكان الأبطال دائما هم أنفسهم، تعالى معى لنشاهد فيلم «المولد» بطولة عادل إمام لنرى صعلوكا جديدا يشارك عصابة نشاطها ويكون ثروات ضخمة، وينتهى به الأمر إلى المشاركة بشكل واضح فى أعمال الخير دون أن يكون مقتنعا قط بما يفعله.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة