x قد يعجبك أيضا

محمد صلاح الدين وزير خارجية عظيم فقدته الذاكرة المصرية

الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:20 م

د. محمد صلاح الدين أبرز السياسيين والدبلوماسيين المصريين وكان وزيرًا لخارجية مصر فى عامى ٥٠ و ٥١ وتفاوض مع وزير خارجية بريطانيا لتحقيق الاستقلال، وقال للنحاس: «لا أمل فى التفاوض فلتقُم بإلغاء معاهدة ١٩٣٦ والكفاح المسلح هو الحل الوحيد» وقد أخذ النحاس بوجهة نظره.

ولد فى عام ١٩٠٢ ورحل عام ١٩٩١، وكما قال د. أحمد زكريا الشلق إنه من جيل السياسيين المثقفين نتاج ثورة ١٩١٩ وقد تفتح وعيه وحسه الأدبى على أشعار شوقى وحافظ وتربى فى بيئة طه حسين والعقاد والمازنى وبالرغم من أنه كان وفديًا فإنه لم ينخرط فى سجلات الحزب وعاش تجربة اجتماعية وفنية فى عشق الفن والمسرح والسينما منذ دراسته للدكتوراه فى باريس.

محمد صلاح الدين لم يأخذ حقه التاريخى لأنه لم يتسارع للزعامة وتعفف عن الشهرة والسلطة وسجلت تاريخه الباحثة نجلاء عبد الجواد فى رسالتها للدكتوراه، التى شملت مختلف الوثائق القومية ووثائق وزارة الخارجية البريطانية.

تخرج صلاح الدين من مدرسة الحقوق وتزوج عام ١٩٣٠ من السيدة عزيزة هيكل ابنة عم محمد حسين هيكل المثقف البارز ورئيس حزب الأحرار الدستوريين.

سافر فى بعثة إلى فرنسا عام ١٩٢٥ للحصول على الدكتوراه وولع صلاح الدين بالثقافة الفرنسية فأقبل على المعارض الفنية والمسارح وكان عنده ولع بالتمثيل من صغره ومثل أدوارًا فى جمعية أنصار التمثيل مع محمود تيمور وزكى طليمات. وعند عودته إلى مصر قام بتشجيع جميع أنواع الفنون وخاصة المسرح والسينما وأعاد افتتاح معهد السينما الذى أغلق عام ١٩٣١ بعد أن أقنع النحاس باشا بأهميته. وتم افتتاحه فى عام ١٩٤٤. واقترح أيضًا إنشاء معهد التمثيل، وتم ذلك.

عندما تولى وزارة الشئون الاجتماعية تولى الإشراف على معهد السينما ومعهد المسرح وأنشأ أول ناد للسينما فى مصر وشارك فى البرنامج الثقافى للإذاعة.

وكان صلاح الدين أديبًا وشاعرًا ونشر فى نهاية حياته ديوانين لأعماله الشعرية.

اشترك صلاح الدين كتلميذ عمره ١٧ عامًا فى مظاهرات ثورة ١٩١٩ واستمر فى الاشتراك فى المظاهرات فى مدرسة الحقوق العليا وفصل مرتين وعاد للدراسة حين طالبوا بالإفراج عن سعد زغلول فى المنفى.

فى عام ١٩٢٣ وأثناء انتخابات أول برلمان كان عضوًا فى لجنة الطلاب (٥٤ طالبًا) للدعاية الانتخابية فى مصر كلها. واشترك فى مؤتمر الدعاية لمصر فى لندن الذى رأسه مكرم عبيد وكان صلاح الدين يده اليمنى فى الاجتماع.

اختاره مصطفى النحاس ليكون وكيلًا لوزارة الخارجية. وأصبح وزيرًا للخارجية عام ١٩٥٠ بالرغم من أنه لم يكن من جماعة فؤاد سراج الدين المسيطرة على الوزارة بل من الأقلية من الوزراء الذين شاركوا فى ثورة ١٩١٩، وكانوا مستقلين وتربطهم بالنحاس علاقة مباشرة.

كانت له علاقة قوية بالصحافة دفاعًا عن الديمقراطية وهجومًا على دكتاتورية إسماعيل صدقى، وبدأ مبكرًا فى الدفاع عن القضية الفلسطينية دوليًا وتحدث مبكرًا عن أهمية النهوض بالتعليم والاهتمام بالمواهب وأهمية نشر الثقافة بين جموع الشعب وتدريب الطلاب على الديمقراطية وفى عام ١٩٥١ اشتد هجوم الصحافة على الملك فاروق الذى طلب من النحاس أن تقدم الحكومة تشريعا يحد من حرية الصحافة فقال صلاح الدين فى المجلس من المستحيل أن يمر هذا التشريع فى فرض قيود على الصحافة وهى مسئولية أمام التاريخ لا يمكن أن تتحملها حكومة الوفد وفعلًا نجح صلاح الدين فى إلغاء مشروع تحجيم الصحافة. وواضح الفارق بين موقف صلاح الدين وبين مواقف وزراء ورؤساء وزراء توالوا المناصب فى عهود تالية.

اشترك صلاح الدين مع مصطفى النحاس عام ١٩٣٠ فى المفاوضات مع هندرسون وكان رسوله على القاهرة لأخذ رأى بقية الوزراء فى مشروع الاتفاق والتى انتهت برفض الاقتراح البريطانى واشترك فى مفاوضات ١٩٣٦ والمعاهدة التى تمت.

وفى عام ١٩٥٠ تمت المفاوضات مع وزير خارجية بريطانيا وفشلت لأن صلاح الدين أصر على الجلاء التام. وقد صعق صلاح الدين من موقف أمريكا الذى قام بتأييد استمرار القوات البريطانية فى مصر، ولم يكن يتخيل أن أمريكا التى تتحدث عن الحرية والديمقراطية تؤيد الاحتلال.

وبعد أن يئس صلاح الدين من موقف بريطانيا المتشدد وأعلن صلاح الدين فى البرلمان أن على مصر أن تقطع المفاوضات وكان الملك فاروق معترضًا على تعيين صلاح الدين وزيرًا للخارجية وكان يريد اتفاقًا يضمن بقاء الإنجليز فى مصر ليحافظوا على عرشه، وكانت بريطانيا بالاتفاق مع الملك فاروق يريدون التخلص من صلاح الدين. واجتمع الملك مع السفير الأمريكى وقال له ما رأيك فى مصدق الموجود عندنا، ويقصد صلاح الدين. وكان مصدق قد أمم شركات البترول البريطانية فى إيران.

وعندما بدأت الصحف الأوروبية تكتب عن فضائح الملك فاروق الشخصية طالب صلاح الدين من الوزارة اتخاذ موقف من الملك الذى يسىء إلى سمعة مصر. وعلم الملك بذلك وطالب بإقالة صلاح الدين، ولكن النحاس صرح أنه لا نية لتغيير وزير الخارجية الذى يتمتع بوطنية وكفاءة تامة.

وأصدر صلاح الدين قرارًا أثناء الحرب الكورية التى اتخذت فيها مصر موقف الحياد بمنع مرور السفن الحربية البريطانية والإسرائيلية فى قناة السويس. وحين رفضت بريطانيا وأمريكا تسليح الجيش المصرى أعلن صلاح الدين أن مصر سوف تلجأ إلى مصادر أخرى لاستيراد السلاح حتى لو كان الشيطان نفسه، وتمكنت من استيراد السلاح بعقد صفقات مع سويسرا والسويد وفرنسا وتشيكوسلوفاكيا.

كان لصلاح الدين دور هام فى إلغاء معاهدة ٣٦، وكان مجلس الوزراء منقسمًا، وكان مع إلغاء المعاهدة النحاس وصلاح الدين وإبراهيم فرج وضد الإلغاء فؤاد سراج الدين، وكان هناك خوف من أن يقيل الملك الوزارة. وفى النهاية، فى اجتماع مصغر حضره النحاس وفؤاد سراج الدين وصلاح الدين وإبراهيم فرج تم الاتفاق على إلغاء المعاهدة وحفظ سرية القرار حتى تحضر كل الأوراق القانونية، وفى البرلمان ألغى النحاس معاهدة ١٩٣٦ ومعاهدة القسطنطينية من القرن التاسع عشر وكانت مفاجأة لبريطانيا وللغرب، وحاولت أمريكا أن تتدخل لتكوين مجموعة من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وتركيا ومصر لحماية القنال ولكن صلاح الدين سافر إلى فرنسا حيث خاض معركة دبلوماسية عنيفة بينما كانت المقاومة العسكرية وسحب العمال المصريين من قناة السويس يؤثر سلبًا على الإنجليز. وكان الهجوم على كفر عبده أمرًا استغله صلاح الدين فى باريس.

وفشلت جهود الدبلوماسيين الأمريكيين ووزير خارجية بريطانيا فى إقناع صلاح الدين وكان هجوم القوات البريطانية على الشرطة فى الإسماعيلية هو النهاية.

وحدث حريق القاهرة وأقيلت وزارة النحاس واستمرت الفوضى ستة أشهر حتى ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

كان موقف صلاح الدين وطنيًا شجاعا ودبلوماسيا رائعا. وكان له دور فى اتفاق جامعة الدول العربية وساعد ليبيا وسوريا فى مشاكلهم مع إيطاليا وفرنسا وكان مؤيدًا للقضية الفلسطينية. واتهم أمريكا علانية بأنها المتهم الأول فى حريق القاهرة لأنها أرادت تصفية القوة الشعبية وعقابًا لمصر على امتناعها عن التصويت فى مجلس الأمن إلى جانب أمريكا.

وفى وزارة الهلالى التالية لوزارة الوفد بدأت بالتطهير وقام صلاح الدين بتأييد الوزارة وطالب بتطبيق القانون فى حالة ثبوت فساد أو استغلال نفوذ.

وبعد يوليو لم يختلف صلاح الدين مع الثورة حول تطهير الأحزاب وأيد اتفاقية السودان التى وقعها نجيب مع بريطانيا بل وسافر للسودان لمحاولة توحيد السودانيين. وأثناء مفاوضات عبدالناصر مع الإنجليز طالب الإنجليز باشراك أمريكا وأعلن صلاح الدين رفضه لأن أغراض أمريكا هى الخوف من الشيوعية، وكذلك اشتراك مصر فى الدفاع المشترك، واستغلال الثورة الاقتصادية للاستفادة منها، واستخدام المواقع الاستراتيجية المصرية وأخيرًا إرضاء بريطانيا وفرنسا والتأكد من سلامة إسرائيل، وهى ليست مهتمة بالشعب المصرى، ولذا رفض اشتراك أمريكا فى مفاوضات مع بريطانيا.

وفى عام ١٩٥٤ انضم صلاح الدين إلى المطالبين بالديمقراطية، وفى عام ١٩٥٦ وجهت إليه تهمة محاولة قلب نظام الحكم وحكمت المحكمة العسكرية برئاسة الدجوى بـ ١٥ عامًا وتم العفو عنه بعد عام. وغادر مصر من ١٩٥٧ حتى عام ١٩٧٤ وعاش فى مصر حتى توفى عام ١٩٩١ فى هدوء وبعيدًا عن السياسة، ولكنه انغمس فى الحياة الثقافية والفنية.

لقد رحب صلاح الدين بالثورة بل وتمت استشارته وتعيينه فى لجنة الدستور ولكن أحداث ١٩٥٤ والتغييرات الجذرية التى حدثت فى هذه الفترة دفعت به إلى السجن لمدة عام، وابتعاده تمامًا عن العمل السياسى.

صلاح الدين وطنى عظيم ومثقف كبير ومناضل نادر دافع عن مصر ومستقبلها بكل ما يمكك وبكل شجاعة، ووقف ضد الملك فاروق بصرامة، ولكن اختلافه مع الضباط الأحرار بعد أحداث ١٩٥٤ دفعت به إلى السجن عامًا، وفضل بعده الابتعاد عن العمل السياسي. فلروحه كل السلام.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة