x قد يعجبك أيضا

«جيران السوء» في البيئة الدولية.. ماذا نفعل بهم ومعهم..!

الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:20 م

للجار أو الجيران مكان متسع ومتنوع المشارب فى أدبيات الحياة اليومية العربية. ولطالما قرأنا واستمعنا عما ينبغى أن نفعله معهم، أو ما نفعله بهم، فى حالتى السلم «وعدم الأمان» ولا نقول «الحرب» بالضرورة فى البيئة الدولية عموما. أما فى البيئة الدولية للبلاد العربية على التخصيص، قديمًا وحديثًا، فحدّث ولا حرج..!

فى الحقيقة، إنه يختلف أسلوب التعامل مع الجار أو الجيران، بين الجوار اللصيق فى الحيّز الاجتماعى المحدود والعائلى، وبين الجوار القريب والبعيد فى البيئة الدولية، الذى يطلق عليه فى كثير من الأحيان مصطلح «دول الجوار».

وبينما يقال فى «الأدب الشعبى» مثلا (اصبر على جار السوء، فإما أن يرحل وإما أن تأخذه «غارة») فإن ذلك لا يصح أو لا يجوز على المستوى الدولى أو الخارجى. فليس «الصبر مفتاح الفرج» فى جميع الأحوال، أو ليس هناك مخرج واحد أو وحيد من الأزمات العميقة، وكما قال الشاعر العربى مثلا:

قد يبلغ المتأنّى بعض حاجته       وقد يكون مع المسـتعجل الزللُ

وربما فات قومًا جُلّ أمْرِهِم     من التأنّى وكان الحزم لو عجلوا..!

كذلك الحال فى التعامل على المستويات الأخرى، فإن المرونة واجبة، مثل ما أنها ليست الحل المناسب فى بعض الأحيان والأحوال.

• • •

وقد أوحى إلىّ بهذه الأفكار القلقة، ما يحدث لسوريا العربية الحبيبة، هذه الأيام أواخر 2025، بعد التغيير الكبير فى منظومتها السياسية الحاكمة. فقد رأيت لسوريا عدة جيران (أو «غير جيران») يتلمظون، ويبحث كل منهم عن مكان أو مكانة فى «الفضاء» السورى الراهن Space ونكاد نقول (فى الفراغ) السورى Vacuum. فهذا جار السوء، العدوّ المزمن، الكيان الإسرائيلى، الذى ما برح يحاول التوسع بالعدوان فى سوريا وعليها، وخاصة بعد احتلال مرتفعات الجولان عام 1967. وها هو الآن يتوسع فى سوريا من داخلها وفى قلبها، منطقة «جبل الشيخ» و«الحرمون» وما حولهما كحزام إسرائيلى آمن، وأين؟ على تخوم العاصمة دمشق..! فيا له من جوار للسوء حقا..!

وهذه تركيا، التى نحبها وقد لا نخشاها، ولكن ماذا نقول فى محاولاتها الدءوبة منذ أيام (النظام السابق) فى سوريا، لتحويل نطاق الساحل السورى، والنطاق الجغرافى السورى الملاصق لتركيا، إلى «حزام تركى آمن»..! من مدينتى «إدلب» و«حلب» وما يجاورهما، وخاصة من أجل «مطاردة» المجموعات الكردية المسلحة، على اختلاف مسمياتها وأغراضها، مثل حزب «العمال الكردستانى» و«قسد»..!

وأما دولة السوء «غير الجارة» فهى أمريكا التى تتغلغل فى الشمال الشرقى من سوريا، حيث القمح والنفط، وما أدراك ما هما..؟!

أما الجوار العربى لسوريا، فهو قد يكون مغلوبا على أمره، وصابرا مثل لبنان..!! والعراق..!!

وتبقى عاصمة «الأمويين»، دمشق، هذه الأيام، على سطح صفيح ساخن كما يقال بلغة شرائط «الخيالة» أو السينما..! تبقى وكأنها فريسة لمن يشاء جارًا أو غير جار..!

نواصل التحدث بلغة الأدب، وإن شئت فقل: «العلم الاجتماعى المتأدب»، لنقول إن سوريا، إن كانت فريسة أو شبه فريسة، فهى ليست مجرد ضحية على كل حال. صحيح أن منطقة الشام، وسوريا فى القلب، مجزّأة جغرافيًا وتاريخيًا، وتظل مطمع الجار وغير الجار، إلا أنها على كل حال مركز الحركة «الجغرا - سياسية» للمشرق العربى، وكما كان يقال: قلب العروبة النابض.

• • •

هذا ويظل تلاعب القوى الخارجية، كبرت أو صغرت، بالجار أو الجيران، ملمحًا أساسيا من ملامح الحركة السياسية لبلدان وطننا العربى. وحتى على جوار مصر، تتلاعب بعض القوى بالجار التاريخى، الذى لا نخشاه وإنما قد نحبه، وهو «إثيوبيا» أو (الحبشة)، فتظل مياه النيل، وما يقام عليها أو حولها من مرافق وسدود، مثل «سد النهضة» الإثيوبى، محطًا لآمال ومطامع القوى الخارجية هنا وهنالك..!

ومن قبل، كانت مصر، ولم تزل، «جائزة» ينتظرها الكثيرون من الجوار، وهو هنا الجوار الأوروبى - المتوسطى، لينالوا شيئًا من (الكعكة) كلها أو بعضها. وقد كان المقدونيون اليونان، ثم الرومان، على سبيل التخصيص، ساعين أبدًا من أجل (مصر) بين العصريْن القديم والوسيط، موطنًا للجغرافيا موقعا وموضعا، وحقلاً للقمح على ساحل (مريوط) الشمالى.

أما فى العصر الحديث، أو فجر العصر الحديث، فأمامك «نابليون بونابرت»، الذى جاء بعد إخفاقات الثورة الفرنسية العظمى (1789) ليحتل مصر أو بعضها عام 1798، ومن أجل أن يحاول الوصول عن طريقها إلى شبه القارة الهندية، ولم يخرج منها إلا بعد ثورة شعبية أبيّة (ثورة القاهرة الأولى والثانية). وكان الإنجليز حاضرين، (معركة رشيد)، وما كان الأتراك غائبين، فقد كانوا مقيمين منذ دخول سليم الأول إلى مصر عام 1517 – بعد دخول الشام فى 1516 - إلى أن جاء الألبانى - العثمانى محمد على فأقام دولته من 1805 باستدعاء شعبى (..!)، على كل حال، ومن بعده خلفاؤه من أسرته، حتى أطاحت بها ثورة 23 يوليو 1952.

وكان حفر قناة السويس (1859-1869) خطوة فى المشروع الغربى للسيطرة على مصر وما حولها، حتى غدت شريانا من شرايين المواصلات العالمية، تحت سيطرة دول الغرب الأوروبى، بذريعة الديون، ديون «الخديوى» إسماعيل فى سبعينيات القرن التاسع عشر- حتى قامت ثورة 23 يوليو باستعادة السيطرة على القناة، «بالتأميم» فى 26 يوليو 1956. وبعدها استثيرت قوى الغرب الطامعة فى القناة، ليتم العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 (بريطانيا وفرنسا والكيان الإسرائيلى) وعلى مدينة بورسعيد تحديدًا، وليتم بعد ذلك «هزيمة العدوان»، واستئناف المسير والمسار لثورة يوليو حتى جرى ما جرى.

وكان للجوار الأوروبى للمغرب العربى، ذراع طويلة، عدوانية الشكل والمضمون، حتى احتلت فرنسا الجزائر عام 1830، وتونس 1881، والمغرب (من طرف إسبانيا وفرنسا 1912-1956)، واحتلال إيطاليا لليبيا عام 1911، ليتخلله عمل وطنى كبير بقيادة الشيخ الجليل «عمر المختار» فى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

فهل ترون إذن، ماذا يفعل جيران السوء؟ فماذا نفعل بهم ومعهم؟

ذلك بتجهيز القوة العربية الضاربة مجتمعيا فى الداخل، وعلى الحدود، وخارجها، لردع جيران السوء ثم دحرهم، و لو بعد وقت، طال المدى به أو قصُر..! 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة