أظن أنه حان وقت اتخاذ الدول العربية الفاعلة إجراءات عملية ضد إسرائيل، ليس فقط لمنع إبادة الشعب الفلسطينى وتصفية القضية، ولكن من أجل الأمن الوطنى لكل دولة عربية على حدة.
كل الدول العربية بلا استثناء تصدر بيانات شجب ورفض واستنكار وإدانة للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى الآن. وهى مواقف دبلوماسية وسياسية ممتازة، لكنها للأسف لم تعد تكفى؛ لأن إسرائيل وبدعم أمريكى سافر تسير فى إكمال تدمير كل قطاع غزة، وتهويد الضفة وإعادة رسم الخريطة العربية بالكامل.
قد يقول البعض إن مسئولية الدفاع عن فلسطين تقع على عاتق الفلسطينيين وحدهم وأن المشكلة تتمثل فى المقاومة وليس الاحتلال، ورغم أن هذا الكلام غير صحيح من وجهة نظر الأمن الوطنى لكل دولة عربية، لكن سوف نسلم نظريًا بأنه موقف سليم، ونسأل: وماذا ستفعل الدول العربية مع الموقف الرسمى الإسرائيلى الذى عبَّر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أسابيع قليلة بأنه مع خريطة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات. كلام نتنياهو وأفعاله هو وحكومته وجيشه على الأرض تعنى أنه يريد السيطرة على كل أراضى فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وبعض أراضى مصر والعراق والسعودية.
فماذا نحن فاعلون؟!
بعض الدول العربية أقامت علاقات مع إسرائيل فى السنوات الأخيرة، وقالت إنها فعلت ذلك من أجل تشجيع إسرائيل على المضى فى إحلال السلام بالمنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية. والآن فإن إسرائيل الرسمية والشعبية ترفض إقامة الدولة، وتجاهر بذلك فى كل لحظة.
وقبل أيام رأينا المصادقة على توسيع مستوطنة معالية أدوميم فى الضفة الغربية ببناء ٤٠٠١ وحدة سكنية مما يعنى فصل القدس عن الضفة تمامًا، وفصل شمال الضفة عن جنوبها، إضافة إلى فصل الخليل عن الضفة وفصل كل الضفة عن غزة وهو ما يعنى عمليًا القضاء على أى فرص لإقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافى؛ لأنه سيعنى إما إجبار الفلسطينيين على الرحيل أو العيش فى كانتونات وجزر منعزلة أو قتلهم، وهو جوهو خطة الحسم التى تحدث عنها وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش منذ عام ٢٠١٧، ويتم تطبيقها فعليًا الآن على أرض الواقع.
الأمر لم يعد قاصرًا على الفلسطينيين أو على اللبنانيين.
ونتنياهو يتبجح كل يوم بأنه سيعيد رسم المنطقة من جديد على أسس توراتية، ويحظى بدعم غير مسبوق من ترامب الذى قال له قبل أيام لنتنياهو: «عليك الإسراع بإنجاز مهمة القضاء على المقاومة الفلسطينية»، وهو لا يمانع فى أن يضم الضفة الغربية، بل ويريد تملك غزة لإقامة ريفيرا!
ليس الهدف من الكلمات السابقة أن تعلن الدول العربية الحرب على إسرائيل، ولا حتى أن تقطع العلاقات معها مرة واحدة، رغم أن ذلك هو الأمر المنطقى، وليس الهدف أن تدخل الدول العربية فرادى أو مجتمعين فى صراع مفتوح مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أدرك الواقع الصعب تماما، لكن فى نفس الوقت لا يصح إطلاقًا أن تستمر إسرائيل فى تصفية القضية الفلسطينية ورسم المنطقة ومحاولة تنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى وتنصرف الدول العربية وكأن شيئًا لم يكن.
المطلوب أن تكون هناك خطوات عملية ملموسة تشعر إسرائيل بأن هناك ثمنًا سيتم دفعه إذا استمرت فى نفس السياسة. وحسنًا فعلت الإمارات العربية المتحدة يوم الأربعاء الماضى، حينما أعلنت أن ضم إسرائيل للضفة الغربية خط أحمر ويعنى أن علاقات البلدين ستكون على المحك.
المطلوب رسالة عربية موحدة من الدول الفاعلة لأمريكا وإسرائيل بأن العلاقات والاتفاقيات العربية مع إسرائيل سوف تتوقف ما لم يتوقف العدوان. أعلم أن دولًا عربية بعثت برسائل واضحة لإسرائيل وأمريكا وأظن أنه حان الوقت أن تخرج هذه الرسائل إلى العلن.
السطور السابقة كتبتها قبل بيان المجلس الوزارى لجامعة الدول العربية الذى ظل منعقدًا حتى العاشرة من مساء الخميس الماضى وخرج ببيان يحتاج إلى نقاش لاحق خصوصا البند الذى يقول: «الموافقة على مشروع قرار بعدم التعويل على ديمومة أى ترتيبات تعاون عربية مع إسرائيل فى ظل الاحتلال». ماذا يعنى هذا الكلام وهل هو قابل للتطبيق أم مجرد فولتارين لتسكين وتهدئة المشاعر الشعبية العربية الغاضبة ولماذا لم تكن لغته واضحة وصريحة ومباشرة؟!