الآن.. أصبحت الإبادة موثقة من مصادر إسرائيلية وأمريكية
الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 8:30 م
فى محاولته لتضليل الرأى العام العالمى والإسرائيلى لجأ نتنياهو إلى حيلته القديمة وهى شيطنة الآخر، فنشر هو والآلة الإعلامية الخطيرة التابعة للنفوذ اليهودى فى العالم من الأكاذيب ما جعل الرأى العام العالمى يرفض كل ما يتعلق بحماس وكل ما تقوله حماس، وبذلك أعطى نتنياهو الفرصة لتكذيب كل ما يقال عن قتل المدنيين والأطفال وتدمير المستشفيات وحصار غزة ومنع دخول الطعام والدواء والوقود باعتبارها بيانات كاذبة صادرة عن حماس أو عن وزارة الصحة التابعة لحماس. وإن كان الرأى العام العالمى قد أخذ يتحول نتيجة شهادات المئات من المنظمات العالمية غير الحكومية، ومن الأطباء العائدين من غزة، وأخيرا من منظمات إسرائيلية حقوقية مما أدى إلى انخفاض تعاطف الدول الأوروبية مع إسرائيل وفقا لاستطلاع IPSOS بشكل كبير. 60% يرون أن إسرائيل تجاوزت المدى ووفقا لمنظمة You Gov فإن ما بين 49% و 62% يؤيدون محاكمة قادة إسرائيل لإرتكابهم جرائم حرب، أما بالنسبة لمعظم الإسرائيليين فإن اهتمامهم الأول هو استعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس، ولتفعل إسرائيل بالفلسطينيين بعد ذلك ما تشاء، حيث تشير أحدث الاستطلاعات إلى ما يلى:
معاناة المدنيين فى غزة
وفقا لاستطلاع أجراه Democracy institute فإن 73% من الإسرائيليين لا يكترثون بمعاناة الغزاويين أو بالمجاعة المنتشرة بينهم، ووفقا لاستطلاع أجرته الجامعة العبرية فى نفس التاريخ فإن 64% يوافقون على أنه «لا يوجد أبرياء فى غزة».
وفى استطلاع آخر أجراه معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى (INSS) أظهر أن 64.5 لا يقلقهم نقص المعونات الغذائية لغزة.
لكن الأخطر من كل ذلك هو الاستطلاع الذى أجرته Democracy Institute فى مارس 2025 الذى أظهر أن 82% يؤيدون طرد أهالى غزة، و47% يؤيدون قيام الجيش الإسرائيلى بقتل جميع سكان غزة.
وبالرغم من كل ذلك فإن الثقة فى الحكومة انخفضت إلى 34%، والثقة فى النصر انخفضت إلى 50%.
• • •
ولكن هناك على الجانب الآخر صيحة لها صداها ومصداقيتها لدى العالم الغربى لأنها صدرت من مصادر يصعب تكذيبها ويصعب وصفها بمعادة السامية، وهذه المصادر هى منظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية Tselem’B التى تحظى باحترام كبير داخل إسرائيل وعلى النطاق العالمى وفى أوساط الأمم المتحدة، ومنظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» (PHR) Physicians for Human Rights اللذان أصدرا تقريريين منفصليين يوم 28 يوليو الماضى يوثقان جريمة الإبادة، الأول من 90 منظمة وجاء فيه أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية genocide ضد الفلسطينيين فى غزة وأنها تستهدف المدنيين لا لشىء إلا لكونهم فلسطينيين وذلك منذ ما يقرب من عامين.
وقد وثق التقرير بالتفصيل جرائم القتل التى ارتكبت فى حق عشرات الآلاف من النساء والأطفال والمسنيين فضلا عن جرائم النزوح الجبرى المتكرر وهدم المنازل وتجريف البنية التحتية المدنية مما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من العناية الصحية وخدمات التعلم على سائر المستويات وسائر حقوق الإنسان الأساسية.
وقد صرحت مديرة منظمة بتسيلم السيدة يولى نوفاك إلى جريدة «الجارديان» البريطانية، وأيضا فى مقابلة مع المذيعة الأمريكية المشهورة أمانبور «أن جريمة الإبادة تجرى أمام أعيننا منذ وقت طويل والأمر لا يحتاج إلى حكم من المحاكم الدولية لإثباتها لأن الإبادة ليست فقط جريمة قانونية، إنما ظاهرة اجتماعية وسياسية».
أما تقرير منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» فقد ركز على استهداف المنشآت الصحية والنظام الصحى بأكمله بهدف تدميرها، وقد وثق فريق هذه المنظمة العديد من المستندات التى جمعها الفريق بنفسه مباشرة من غزة؛ حيث إنه من المجموعات القليلة التى سمح لها الاحتلال بدخول قطاع غزة. ويقول مدير هذه المنظمة جى شاليف Guy shalev أن التدمير المتعمد للمنشآت الطبية يكفى لجعل هذه الحرب حرب إبادة، وذلك وفقا للمادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية.
وتتفق المنظمتان.. بتسيلم وPHR على أن الغرب شريك فى هذه الإبادة أو على الأقل أنه مكن حرب الإبادة من الاستمرار، فلم تكن لتحدث لولا دعم الغرب لها.
ولعل من أهم ما وثقته المنظمتان هى الوثائق التى تشير إلى توافر النية للإبادة لدى الحكومة الإسرائيلية، لأن هذه النقطة هى التى تستخدمها إسرائيل لتضليل الرأى العام العالمى حيث تقول على لسان المتحدث الرسمى، «كيف يكون لدينا نية الإبادة ونحن نقدم لهم الطعام».
بالطبع ليس ادخال الفتات من الطعام هو الذى يغير الوضع أو يشير إلى عدم وجود النية، فتصريحات القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين منذ اليوم الأول تشير بوضوح إلى نزع صفة الأدمية عن الغزاويين، بما فى ذلك تصريحات رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس الجمهورية.
ويشير تقرير PHR إلى أن التحريض على الإبادة وضح من أول يوم، فالقادة الإسرائيليون تحدثوا عن الفلسطينيين باعتبارهم حيوانات آدمية، وأنه لا يوجد مدينيين فى غزة وأن جميع السكان مسئولون عما حدث فى ٧ أكتوبر.
ومن أهم الأرقام التى تضمنها التقرير هو توثيق لعدد القتلى بـ 60 ألفا، وأهمية ذلك أن المصدر هو منظمات إسرائيلية موثوقة حيث كانت إسرائيل تضلل العالم بأنها أرقام وزارة الصحة التى تسيطر عليها حماس، ويشير تقرير PHR أن ذلك العدد يمثل 2.5% من سكان القطاع. ويقول بعض أنصار إسرائيل أن هذا العدد قليل ولا يدل على نية الإبادة، ولكن الاتفاقية الدولية تشير إلى استهداف مجموعة من السكان كليا أو جزئيا in whole or in part.. أى ليس المقصود هو إبادة الشعب بأكمله لوقوع جريمة الإبادة.
ويحذر التقريران من انتقال الإبادة من غزة إلى الضفة الغربية التى قتل منها 8 آلاف فلسطينى من ٧ أكتوبر وتم تهجير أربعين ألف مواطن وتدمير مساكنهم فی چنین وطولكرم، ويحذران من ذلك بشدة لأن سلاح الإبادة قد أصبح الآن معتمدا لدى الحكومة الإسرائيلية.
• • •
أما المصدر الثانى المهم، فهو التصريحات التى أدلى بها Anthony Aguilar الضابط الأمريكى السابق الذى كان يعمل حتى الشهر الماضى فى مؤسسة غزة، التى تسمى إنسانية، والتى تشرف على توزيع الطعام والمعونات الغذائية للغزاويين، والذى استقال يوم 13 يونيو 2025 معلنا أنه لم يتحمل الاستمرار فى جرائم الحرب هذه.
هذا الضابط وهو بدرجة colonel Lt. أى عميد له خدمة طويلة فى الجيش الأمريكى دامت 25 عاما وحاصل على أعلى الأوسمة وعضو فى فريق النخبة المسمى البريهات الخضراء Green Beret، وقد أعلن أنه كان يظن أن ما شاهده من جرائم حرب وقسوة لا نظير لها هى نتيجة عدم خبرة القائمين على المشروع.
لكن تبين له أن مؤسسة غزة الإنسانية GHF هذه لم تتحول إلى مصيدة لقتل الجياع غير المسلحين ولكن صممت لهذا الغرض، فأول ما لاحظه أن مواقع توزيع المعونات الأربعة التى حلت محل الـ 400 موقع التابعين للأونروا، هذه المواقع الأربعة أقيمت داخل مناطق القتال العملياتية النشطة Active Operational Combat Zones، كما أن تقليص عدد مناطق التوزيع من 400 إلى أربعة فقط جعل جميع سكان غزة الجياع يزدحمون على هذه المناطق الأربعة ويتدافعون عند فتح الأبواب، وقال إنه شاهد قوات الجيش الإسرائيلى وهم يطلقون النار عليهم أثناء هذا التدافع فى الدخول والخروج، كما سُجل شريط فيديو لزميلين أمريكيين له وهما يشاركان فى إطلاق النار، وكأنها تسلية أو رياضة، ونسمع فى الشريط أحدهما يقول للآخر «أعتقد أنك أصبت واحدا فيصيح الآخر صيحة إعجاب».
وفى هذا السياق عرضت الـ BBC الناطقة بالإنجليزية شريطا لموقع «سياحى» أقامته شركة إسرائيلية على غلاف غزة مزود بتلسكوبات لمشاهدة الحرب فى غزة، والموقع مزود بماكينات تبيع المرطبات والمأكولات الخفيفة، وعرضت القناة أيضا لقطات للإسرائيليين وهم يلتقطون صورا تذكارية.
• • •
الخلاصة كما أشرت فى بداية المقال إلى أن إسرائيل نجحت فى إخفاء جرائمها بالوسائل التى أشرت إليها فى بداية المقال، لذلك فإن الشهادات والوثائق الصادرة من المنظمات الإسرائيلية ومن الكولونيل السابق بالجيش الأمريكى لديها قوة إقناع كبيرة يجب حسن استخدامها وعدم تركها تطوى وسط ضجيج الأحداث، وقد قمت من جانبى بمخاطبة السفير الفلسطينى النشط مهند العكلوك مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية مقترحا قيام السلطة الفلسطينية بإحالة هذه الشهادات إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث تملك السلطة حق طلب الإضافة إلى ملف غزة الذى ما زال مفتوحا، كما اقترحت تكليف محام دولى بالولايات المتحدة بإجراء مقابلة مع الضابط الأمريكى لصياغة ما لديه فى شكل قانونى قبل تقديم شهادته للجنائية الدولية، كما يمكن إرسال هذه الوثائق والشهادات إلى المائة منظمة حقوقية التى وقعت البيان المشترك الذى صدر قبل ذلك بأيام موثقا الكثير من جرائم الاحتلال فى غزة.
أما الاستغلال الإعلامى فهو مهم جدا، ويمكن توزيع فيديو الحوار مع الضابط الأمريكى إلى أكبر عدد من منصات يوتيوب وشخصيات إعلامية كبيرة مثل Tucker Carlson وPiers Morgan، كما أطالب المنظمات الحقوقية المدنية والعربية بالاتصال بالمنظمات الإسرائيلية التى أصدرت هذه التقارير، وأيضا إقامة خط إتصال مع الكولونيل أجيلار وإتاحة الفرصة له للظهور بالإعلام العربى.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا