x قد يعجبك أيضا

رسالة لمهرجان فينيسيا «نريد موقفًا ضد الإبادة الجماعية»

الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 8:20 م

فى خطوة تعبّر عن وعى فنى وأخلاقى متزايد بين كبار السينمائيين، وجّه مئات من صُنّاع الأفلام والممثلين والفنانين العالميين رسالة مفتوحة إلى منظمى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى، الذى يفتتح اليوم، الخميس، دورته الـ٨٢ مطالبين إياهم باتخاذ موقف علنى واضح لا لبس فيه، وأن يكونوا أكثر شجاعة لإدانة «الإبادة الجماعية» و«التطهير العرقى» الذى يتعرض له الفلسطينيون فى غزة ويمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلى.

 

 

الرسالة، التى تحمل توقيع أسماء بارزة من المخرجين، بينها البريطانى كين لوتش والألمانية ألبا روهرفاشر، والإيطاليين ماركو بيلوتشيو وماتيو جارونى، والأمريكى أبل فيرارا، والفرنسيتان سيلين سياما وأودرى ديوان، والثنائى الفلسطينى عرب وطرزان ناصر، والممثل الإيطالى تونى سيرفيلو.
شددت الرسالة على أن الصمت فى مواجهة القتل والدمار المستمر فى القطاع هو تواطؤ غير مباشر، ودعت إدارة المهرجان إلى كسر هذا الصمت، والانضمام إلى الأصوات العالمية التى تطالب بوقف فورى للعدوان على المدنيين الفلسطينيين.
وحملت الرسالة تحت راية «فينيسيا من أجل فلسطين» كلمات مؤثرة، وكأن المشهد يجب أن يتوقف عند حروفها، «أوقفوا الساعات، وأطفئوا النجوم»، هذا ما جاء فى الفقرة الافتتاحية، وجاء فيها «إن العبء ثقيل جدًا على الاستمرار فى العيش كما كان من قبل، منذ ما يقرب من عامين، تصلنا صور جلية لا لبس فيها من قطاع غزة والضفة الغربية. فى ذهول وعجز، نواصل مشاهدة الإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال فى فلسطين». لن يتمكن أحد أبدًا من القول: «لم أكن أعرف، لم أكن أتخيل، لم أكن أصدق».
تضيف الرسالة: «نكتب إليكم اليوم لأننا نشعر بخيبة أمل عميقة من تجاهل مهرجان فينيسيا، كواحد من أهم المهرجانات السينمائية فى العالم، لما يحدث فى غزة من مآسٍ إنسانية، الفن لا يمكن فصله عن الواقع، والسينما يجب أن تكون صوتًا للعدالة، لا ملاذًا للهروب من معاناة الشعوب».. يُقال لنا: «يجب أن يستمر العرض»، بينما يُطلب منا أن نُشيح بنظرنا بعيدًا - كما لو أن «عالم السينما» لا علاقة له بـ«العالم الحقيقى.. لمرة واحدة، يجب أن يتوقف العرض. يجب أن نكسر جمود اللا مبالاة ونفتح طريقًا للوعى». ويختتم: «لا سينما دون إنسانية».
منذ اندلاع التصعيد الأخير فى غزة، تصاعدت الدعوات داخل الأوساط الثقافية والفنية حول العالم لاتخاذ مواقف واضحة ضد ما يعتبره كثيرون قمعًا منهجيًا وتطهيرًا عرقيًا يُمارَس ضد الفلسطينيين.
وفى هذا السياق، تأتى هذه الرسالة المفتوحة كمبادرة لافتة تسعى إلى مساءلة المؤسسات الفنية الكبرى عن دورها الأخلاقى ومسئوليتها الرمزية فى زمن الأزمات.
ليست هذه الرسالة مجرد بيان احتجاجى عابر، بل هى تعبير عن تحول عميق فى وعى كثير من الفنانين العالميين بدورهم الأخلاقى فى زمن الأزمات. فمع اشتداد العدوان على غزة وسقوط آلاف الضحايا المدنيين، وجد هؤلاء الفنانون أنفسهم أمام خيار حاسم: «الاستمرار فى الصمت حفاظًا على المساحات «الآمنة» ثقافيًا أو اتخاذ موقف أخلاقى صريح يعبّر عن رفضهم للظلم والقمع».
يشعر العديد من الموقّعين بأن الفن لا يمكن أن يكون محايدًا فى وجه الإبادة، وأن المهرجانات الكبرى - كمهرجان فينيسيا - ليست مجرد منصات ترفيه، بل مؤسسات تملك رمزية كبرى وقدرة على التأثير الثقافى والسياسى. كما أن هذا التحرك يُعَدّ ردًا مباشرًا على ما اعتبروه تواطؤًا بصمت المؤسسات الفنية الغربية تجاه الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، بينما لا تتردد هذه المؤسسات فى اتخاذ مواقف حاسمة وسريعة تجاه أزمات دولية أخرى.
لم يكن مهرجان فينيسيا، منذ انطلاقه فى ثلاثينيات القرن الماضى، مجرد تظاهرة فنية محايدة، بل كان فى لحظات كثيرة مرآةً للواقع السياسى والاجتماعى الذى يعيشه العالم. فقد مرّ عبر تاريخه بفترات احتُسب فيها على السلطة، وأخرى احتضن فيها أفلامًا ناقدة لأنظمة القمع والاستبداد، ما جعله دومًا فى موقع رمزى حساس بين الفن والسلطة، بين الجمال والموقف.
واليوم، يجد المهرجان نفسه أمام تحدٍ أخلاقى واضح: هل سيواصل مسيرته كمنصة للفن المعزول عن المأساة أم سيستجيب لنداء مئات من صناع السينما الذين يرون أن السكوت فى وجه القتل الجماعى ليس حيادًا بل خيانة لجوهر الفن نفسه؟
الرسالة الموجهة من الفنانين لا تطلب من فينيسيا أن يتحول إلى منبر سياسى مباشر، بل أن يتمسك بمسئوليته الثقافية تجاه العدالة والكرامة الإنسانية، وأن يثبت أن السينما ليست فقط أداة لرواية القصص، بل أيضًا وسيلة للمقاومة الأخلاقية حين يصمت العالم.
لا يمكننا أن نفصل بين السينما والواقع.. حين يسقط الآلاف من الأبرياء تحت القصف، يصبح الصمت فعلًا غير أخلاقى.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة