لإكمال موضوع الأهمية القصوى لتجديد القيم والسلوكيات الفردية والمجتمعية اللازمة لضبط وإنجاح المشروع النهضوى العربى، دعنا نعُد لنؤكد أن ذلك التجديد يحتاج إلى أن يرتكز على مهمتين: مراجعة ونقد القيم التراثية التى ما عادت صالحة لأزمنتنا من جهة ومراجعة ونقد القيم الحداثية المرتبكة التى أخذناها تقليدا أو فرضت علينا من حضارة الغرب والحضارة العولمية الرأسمالية من جهة أخرى.
والواقع أن هناك الكثير من المفكرين والأحزاب والمؤسسات المدنية فى الغرب قد كوّنوا عبر العقدين الماضيين تيارا قويا ناقدا لمسار الحضارة الغربية، وعلى الأخص لمواقفها المتناقضة والمتعارضة مع كل الأسس الفكرية والحقوقية التى جاءت بها حضارة الأنوار الأوروبية، تيارا مطالبا بإجراء مراجعة عميقة إصلاحية تجاوزية للكثير من قيمها الأخلاقية والسلوكية والمفاهيمية الخاطئة التى أضيفت إلى حضارة الغرب على الأخص فى العقود الأخيرة.ويجرى ذلك النقد فى أغلبه تحت شعار ما يعرف بتيّار «ما بعد»، بدءًا بشعارى ما بعد الحداثة وما بعد ما بعد الحداثة ومرورا بشعارات فرعية من مثل ما بعد الاستعمار أو ما بعد النيوليبرالية الرأسمالية أو حتى ما بعد العقلانية الغربية والعلمانية اللتين اعتبرهما الغرب فى الماضى شعارين مقدّسين. ولقد وصل الشطط ببعضهم إلى طرح شعار عدمى من مثل ما بعد نهاية الغرب وبنية حضارته وما سيأتى على أنقاضه من بقاع الدنيا الأخرى من صراعات وفوضى حسب تفكيرهم المتعالى المتكبّر.فى المدة الأخيرة، ومع التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة، من مثل الصعود المذهل لاستعمالات الرّوبوت والذكاء الاصطناعى، يتكلم الغرب عن ما بعد الأنسنة وتهافت دورها فى إدارة عالم الإنسان وبالتالى صعود قيم جديدة، والتى لم تعرفها مسيرة الإنسانية منذ نشأتها وإلى يومنا هذا، والتى تتميز بالغموض وبالإمكانيات الشريرة المدمّرة لقيم الأنسنة وللقيم الميتافيزيقية والروحية والدينية للبشرية.السؤال المفصلى الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل ستمارس حليمة عادتها القديمة، فينتظر العرب نتائج كل تلك المراجعات التى يقوم بها الغرب حاليا ويتبنّوها تقليدا وخضوعا أم أننا سنلعب دورنا المتفاعل المزدوج، سواء المتعلق بمراجعتنا الخاصة لبناء ذاتنا ولنهضتنا واالمتعلق بالمساهمة مع الآخرين لتصحيح مسار الإنسانية كلها وإخراج العالم من الفوضى القيمية الأخلاقية والحقوقية التى يعيشها.فى قلب هذا الموضوع يكمن التقابل التضادّى المرعب بين عالم معاصر ارتبطت فيه مفاهيم القيم بتحقيق مصالح خاصة بفرد أو جماعة فئوية أو مجتمع معين دون إعطاء أى اعتبار لانعكاس ذلك على مصالح الآخرين... بين عالمنا المعاصر ذاك وبين رؤية تكونت عبر العصور تقول وتنادى بارتباط مفاهيم القيم بالضمير الحى وبالفطرة البشرية السويّة وبالسمو الأخلاقى والروحى.إن أمّة وصف الدين الذى حملته للعالم «بدين القيّمة»، ووردت فى قرآنه الكريم مشتقّات تعبير القيم حوالى ستمائة وخمسين مرة، تركزت فى أربع مجالات حيوية للإنسان وللعالم من مثل الاستقامة والمسئولية والخير والصلاح، وخصّت بالأولوية قيما كبرى من مثل العدل والقسط والميزان والحرية والخير والتقوى والصبر والتكافل والصّدقة والصدق والوفاء وقول الحق، وغيرها الكثير الكثير، بحيث لم تبق فضيلة إلا ونالت التمجيد وتآخت مع أساس العقيدة الروحية: الإيمان... إن أمة لديها مثل هذا التراث القيمى تستطيع، لو توافرت الإرادة والصدق مع النفس والضمير الحى والقيادات التاريخية، أن تساهم مساهمة مؤثرة فى مراجعة إشكالية تراجع القيم الأخلاقية والسلوكية، لا فى بلاد العرب فقط، وإنما أيضا عبر العالم كله.لن تكون تلك المساهمة مقصورة على إشكاليات بعض قيم الحداثة، التى تراكمت عبر عدة قرون، وإنما ستشمل أيضا إشكاليات بعض تيارات ما بعد الحداثة المتنامية بشتّى أسمائها وتفريعاتها عبر العقود.منذ القرن التاسع عشر والعشرات من المفكرين العرب، بشتى انتماءاتهم الأيديولوجية والفكرية، يتعاملون مع هذا الموضوع، تحليلا ونقدا ومحاولة تجاوز، لكن ظلت تلك المحاولات جهودا فردية أو فئوية محدودة. ما نحتاج إليه الآن وعبر المستقبل المنظور هو تيار كبير، يضم أشكالا من علماء حقول شتى المعارف العلمية والإنسانية، للقيام بتلك المهمة الوجودية. مطلوب من شباب وشابات الأمة أن يتابعوا ذلك التيار ويتفاعلوا معه، فهو قادم.
مقالات اليوم نيفين مسعد صلاة خاصة محمد بصل ضحايا في مذبح الحقيقة إبراهيم العريس خواطر مسبقة حول أول فيلم يحققه السورى جود سعيد فى «المنفى» عن الشاعر أدونيس محمد عبدالشفيع عيسى من «هولاكو» إلى «هتلر».. ومن «النظام الاستعمارى» إلى «اليمين الصهيونى المتطرف!» صحافة عربية أن تعيش كالإيطاليين من الصحافة الإسرائيلية اتفاق التطبيع بين إسرائيل وسوريا لا يزال حلمًا بعيدًا قضايا تكنولوجية الذكاء الاصطناعى أمل ثقافى
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك