x قد يعجبك أيضا

الخوف من البطالة يتجاوز مخاوف التضخم

الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 8:20 م

على ما جرت عليه عادة الأسواق المالية فى السنوات الأخيرة، ازدادت ردود أفعالها مع ما يصدر عن المؤتمر السنوى للبنك الفيدرالى الأمريكى، الذى يُعقد فى النصف الثانى من شهر أغسطس سنويا، فى منتجع جاكسون هول بولاية وايومينج الأمريكية. ويشارك فى هذا الملتقى قادة البنوك المركزية الرئيسية حول العالم، ونخبة من الاقتصاديين والإعلاميين المتخصصين، ليلتقوا فى شكل ندوات ينظمها البنك الفيدرالى لكانساس سيتى، حول السياسات الاقتصادية ومتغيراتها. وفى هذا العام تركز النقاش حول سوق العمل فى المرحلة الانتقالية والأبعاد المتعلقة بالسكان، والإنتاجية والسياسات الاقتصادية الكلية.
وما تترقبه الأسواق هو ما قد يشير إليه رئيس البنك الفيدرالى، جيروم باول، تصريحا أو تلميحا، عن توجهات السياسة النقدية بين تقييد وتيسير أو بين رفع وخفض لأسعار الفائدة. وفى مقال طريف فى صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية تقمَّص فيه كاتب المقال دور رئيس البنك الفيدرالى فى كلمة توجَّه بها إلى جموع الحاضرين، فذكر فيه ما يفيد بأنه سيتحدث إليهم فى موضوعين لا ثالث لهما: الأول هو خفض سعر الفائدة؛ والآخر هو «تخفيض الهراء» بالحديث المباشر الواضح المفهوم الذى لا يتوارى خلف مصطلحات غامضة أو شفرات، يعانى فى تفسيرها الشرّاح والمفسرون. ولم يُخيِّب جيروم باول هذه المرة رجاء متابعيه. فتحدث عن مخاطر تواجه التضخم فترفعه لمعدلات أعلى من المستهدف المعلن وهو 2 فى المائة سنويا، كما تحدث عن أخطار تحيق بمعدلات تشغيل العمالة فتخفضها. وعزا باول مخاطر التضخم إلى زيادة متوقعة بسبب زيادة التعريفة الجمركية من إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولكن فُهم من حديثه أن هذه الزيادة ستكون لمرة واحدة. أما سوق العمل فتتعرض لمشكلات معقَّدة بسبب تقييد الهجرة بما سيخفض المعروض من العمالة بفئاتها المختلفة. وقد عانت بيانات سوق العمل من إشاراتها الملتبسة بين احتمالات لزيادة البطالة، ومؤشرات على زيادة الأجور فى الوقت ذاته.
وبين التخوف من زيادة التضخم والخوف من انخفاض التشغيل، يبدو أن رئيس البنك الفيدرالى قد جنح إلى التصدى لانخفاض التشغيل الذى يُنذر بمزيد من انخفاض معدلات النمو الاقتصادى، وربما الركود، إذا ما استمرت معدلات النمو تلك فى الانخفاض. كأن رئيس البنك الفيدرالى أعطى الأسواق ما تريده وطال اشتياقها إليه من خفض لأسعار الفائدة على مدى ثمانية أشهر من الانتظار. ومن المعلوم أن قرار خفض أسعار الفائدة، القائمة اليوم بين 4.25 و4.5 فى المائة، بمقدار 25 نقطة أساس، أو ربع نقطة مئوية، الذى ارتفعت احتمالات اتخاذه فى الاجتماع القادم للبنك الفيدرالى الأمريكى إلى أكثر من 75 فى المائة، سينتظر حسمه، وفقا لتقريرين دوريين سيصدران قبل الاجتماع المرتقب: التقرير الأول عن التضخم، والآخر عن التشغيل فى سوق العمل، فإذا ما أتى تقرير التضخم بما هو أسوأ مما سيأتى به تقرير التشغيل فلن يتم الخفض الذى تريده الأسواق.
ومن غير المألوف فى هذا الحشد التكنوقراطى المحافظ، الذى دأب على الاجتماع سنويا منذ أربعة عقود فى جاكسون هول، أن يُستقبَل رئيس البنك الفيدرالى بتصفيق حاد قبل كلمته التى استغرقت عشرين دقيقة. ولا تدرى ما الذى دار فى خلد المصفقين: هل لأنها الكلمة الثامنة والأخيرة التى سيوجهها باول إلى هذا التجمع؟ هل لأنها على سبيل التضامن مع صمود البنك الفيدرالى أمام محاولات نيل البيت الأبيض من استقلاله بين توبيخ لرئيسه، وتهديد بعزله، ثم إعلان النية إقالة واحدة من أعضائه بدعوى عدم سلامة مستندات تقدمت بها للرهن العقارى؟ هل هى تقدير من البعض لمجمل أعماله، رغم ما طالها من نقد شديد، لعدم التصدى المبكر للتضخم بعد جائحة كورونا؟ أم هى مجاراة من البعض لمشاعر باقى الموجودين فى القاعة؟
أسابيع تفصل الأسواق عن القرار الفعلى فى سبتمبر المقبل، وإن حيَّت القرار انفعالا بتوجهه قبل صدوره بزيادات فى مؤشراته يوم الجمعة الماضية. وفى هذه الأثناء برز أمر وغاب آخر عن حوار جاكسون هول. فالأمر البارز هو ما صدر عن مسئولى السلطات النقدية فى اليابان وأوروبا، فضلا عن بنك إنجلترا المركزى، الذين تناولوا تحديات شيخوخة أسواق العمل التى تهدد عرض العمالة، وتراجع الإنتاجية، وانخفاض المدخرات. وما يعقِّد أوضاع سوق العمل تقييد حركة الهجرة بسبب إجراءات ذات دوافع شعبوية لا تخلو من عنصرية. هذا على الرغم من أن العمالة المهاجرة فى أوروبا التى لا تتجاوز 10 فى المائة، مسئولة عن نصف نمو القوة العاملة، وفقاً لمداخلة كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزى الأوروبى.
أما الأمر الذى لم يبرز فى حوار جاكسون هول فهو تأثير تخفيض أسعار الفائدة على البلدان النامية. وفى مقالات نشرتُها فى هذه الصحيفة الغراء، تزامنت مع تخفيضات سابقة، فى عام 2019، لأسعار الفائدة العالمية وأثرها على البلدان النامية، دعوت فيها إلى «تفعيل سياسات متكاملة للادخار والاستثمار والإنتاج والتشغيل وإلا تحول انخفاض أسعار الفائدة إلى نقمة لا تقل شرًا عن ارتفاعها». ولا ننسى أن حمى الاقتراض وزيادة ديون القطاعات الحكومية والخاصة والعائلية قد اشتدت مع انخفاض أسعار الفائدة العالمية، من دون تحسُّب لتقلبات سعر الصرف وتراجعات السيولة المفاجئة من النقد الأجنبى؛ فضلا عن تدفقات الأموال الساخنة مدفوعة بالمبالغة فى رفع أسعار الفائدة المحلية إغراءً لها، مع ثبات مفتعل فى سعر الصرف. لعل القائمين على السلطات النقدية يسترجعون دروس أسباب أزمة المديونية الراهنة تحوطا من أزمة أخرى.

 

نقلًا عن الشرق الأوسط

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة