الشرع والمسيحيون.. هل من جديد؟
الثلاثاء 26 أغسطس 2025 - 7:00 م
لم يعرف أحد ماذا دار أثناء الزيارة التى قام بها البطريرك يوحنا العاشر يازجى بطريرك الروم الأرثوذكس إلى أحمد الشرع الرئيس السورى. لكنها بالتأكيد مفاجأة فى توقيتها ودلالاتها، ولاسيما أن البطريرك من الأصوات القوية التى تسمع داخل وخارج سوريا فى الشئون العامة، وفى أوضاع المسيحيين بصفة خاصة، فقد تحدث بعد أيام من سقوط دمشق فى أيدٍ قوات الشرع عن رفض الذمية، والتأكيد على المواطنة، واحترام التنوع، ومشاركة جميع السوريين فى صنع مستقبل بلادهم، ولم يخبو صوته فى التنديد ببعض الأحداث التى وقعت مثل الانتهاكات الواسعة التى طالت العلويين فى الساحل، وجاء بالطبع حادث تفجير كنيسة مار إلياس ليضيف حدة وجرأة على خطابه النارى أثناء الصلاة على جثامين الضحايا، ووجه كلامه مباشرة إلى أحمد الشرع، ووصف عزاءه الهاتفى لوكيل البطريركية بأنه غير كافٍ؛ حيث لم يأتِ مسئول فى الدولة إلى الكنيسة باستثناء هند القبوات الوزيرة المسيحية، وانتقد البطريرك البيان الذى صدر عن الرئاسة السورية، والذى لم يصف الضحايا بالشهداء، بل اعتبرهم قضوا فى حادث، وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعى مقاطع من كلمته على نطاق واسع، ونال موقفه دعمًا ومساندة دولية. وليس سرًا أن حديثه أغضب الشرع، الذى علق عليه دون ذكر اسمه داعيًا الكبار أن يعملوا على تهدئة الأوضاع، وأن يختاروا حديثهم فى الأحداث. تلا ذلك صدور انتقادات للبطريرك من أصوات محسوبة على حكم الشرع، ولاسيما من على منابر مساجد. بعد هذا التصعيد فى الخطاب، وارتفاع سقف النقد للحكم الحالى فى سوريا تأتى هذه الزيارة من البطريرك للشرع، وتنال اهتمام وسائل الإعلام السورية الرسمية، مما جعل كثيرين يتساءلون عن مغزاها؟
بداية تكتسب الزيارة دلالة رمزية لأن كنيسة الروم الأرثوذكس تُعدُّ تاريخيًا فى سوريا بمثابة «كنيسة الدولة». والبطريرك يوحنا العاشر، بوصفه رأس هذه الكنيسة، يحظى بمكانة مهمة. ومما يذكر أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، زار برفقة الرئيس السابق بشار الأسد، مقر بطريركية الروم الأرثوذكس، دون غيرها من كنائس أو الطوائف المسيحية.
وتشير بعض المعلومات إلى أن زيارة البطريرك إلى الشرع، جاءت بعد تدخل من روسيا أثناء زيارة وزير الخارجية أحمد الشيبانى إلى موسكو، رافقه خلالها ماهر الشرع أمين عام الرئاسة، وهو شقيق أحمد الشرع، وقد تلقى تعليمه وعاش فترة فى روسيا، ويتحدث اللغة الروسية. وقد كانت الرسالة الروسية مزدوجة، تطلب من النظام ترميم العلاقة مع المسيحيين، وفى الوقت ذاته إقناع البطريرك يوحنا العاشر بتهدئة حدة خطابه النقدى.
جرى تنفيذ هذا التوجه عبر ماهر الشرع، الذى لا يشغل منصبًا رسميًا لكنه أقرب، من حيث التأثير، إلى وزير شئون رئاسة الجمهورية، ويكتسب ثقله بحكم قرابته المباشرة من رأس السلطة الحالية، وقد زار البطريركية مع وفد لتقديم العزاء فى ضحايا كنيسة مار إلياس بعد أسابيع من الحادث، وهو أمر كان ملفتًا، أعقب ذلك مباشرة زيارة البطريرك إلى أحمد الشرع.
ومن المرجح أن يتولى ماهر الشرع ملف المسيحيين فى سوريا الفترة المقبلة، ولكن السؤال: ماذا ينتظر هذا الملف؟
قد يرى البعض فى زيارة البطريرك للرئيس أحمد الشرع مدًا لجسور التواصل من أجل استقرار سوريا، لكنها من زاوية أخرى صبت فى مصلحة حكم الشرع الذى يواجه مأزقًا حقيقيًا فى العلاقة مع مكونات المجتمع السورى المتنوعة خاصة بعد أحداث الساحل ضد العلويين، وكذلك السويداء ضد الدروز. ليس هذا فحسب، بل إن الزيارة، والاقتراب الجديد، لا يعنى تحولًا فى الموقف تجاه المسيحيين، الذين تطالهم انتهاكات عديدة ليس أقلها الاستبعاد والتهميش، واستهداف الكنائس، والأفراد والعائلات، على يد ميليشيات هيئة تحرير الشام، التى صارت أساس قوات الجيش والأمن، لما لها من تصورات عقائدية تكفر المسيحيين، ولا ترى فيهم شركاء فى المواطنة.
أيا كانت أهداف زيارة البطريرك يوحنا العاشر يازجى إلى أحمد الشرع، والتى قد يكون منها فتح ملف شقيقه المختطف منذ عام ٢٠١٣ المطران بولس يازجى، ورفيقه المطران يوحنا إبراهيم على أيدى قوات جبهة النصرة، حسبما تفيد شواهد عديدة، فإن التجربة السابقة تشير إلى أن أنظمة الحكم التى ترفع لافتة إسلامية بحكم تكوينها هى الأبعد عن استيعاب التنوع فى سياق دولة وطنية، وقد رأينا ذلك فى تجربة حكم الإخوان فى السودان وكذلك فى مصر، وممارسات التشكيلات الإسلامية داخل الحكم وخارجه، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلات حول موقف الحكم فى سوريا تجاه المسيحيين، والذى قد يبدو ناعمًا بعض الشىء الآن، استجابة لضغوط خارجية، وتحسينًا لصورته بعد أحداث الساحل والسويداء، والتداعيات الخطيرة التى ترتبت على تدخل إسرائيل فى ملف الدروز، لكن قد لا يعنى ذلك تغيرًا جذريًا. خاصة فى ضوء الانفصام بين الخطابات والأفعال، والعبرة دائما بالواقع.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا