السيد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء..
تحية مُخلصة، وأشكرك مقدّمًا على سعة صدرك
ترددت فى استغلال هذه المساحة الصحفية لتوجيه رسالتى العلنية إليك بشأن اللقطة الودية التى جمعتك برئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد خلال قمة «بريكس»، لكن تصريحاتك فى المؤتمر الصحفى الأخير لمجلس الوزراء حسمت التردد. وآمل ألّا تشغلك السطور القادمة كثيرًا عن مسئولياتك الثِّقال فى أيام صعبة، أعانك الله.
قلتَ إن اللقطة كانت جزءًا من صورة رسمية للزعماء وممثلى الدول المشاركين فى القمة، وهذا صحيح. وأوضحت أن الترتيب البروتوكولى تسبب فى وضعك بين إثيوبيا وإيران ولا شىء يمكن فعله لتغيير ذلك، وأصدق حديثك تمامًا.
وتمنيت أن تفكر وتسأل المقربين منك، والسيدين وزيرى الخارجية والرى: هل التعامل العفوى فى تلك المناسبة جاء فى مصلحة مصر من النواحى السياسية والإعلامية والرمزية؟
الموضوع - يا دولة رئيس الوزراء - أكبر من اتهام أى شخص بالاجتزاء. الاجتزاء ظاهرة العصر والتسليم بحدوثه أصبح ضرورة، مما يقتضى الحذر، كل الحذر، من التورّط فى لقطة كهذه مع قائد سياسى محنّك وجّه لمصر الاتهامات فى مناسبات عدة، وحنث بكل عهد واتفاق، وتعمّد إحراجنا واستفزازنا عندما تحدث مؤخرًا – قبل لقائك معه - عن دعوة القاهرة مع الخرطوم لحضور حفل افتتاح سد النهضة بعد إتمام الملء التحضيرى الختامى نهاية الصيف الجارى.
ولم تعد المسألة تتعلق بالاجتزاء ولا بالبروتوكول ولا بلقطة جانبية تظهرك تتحدث معه على طاولة الزعماء! فبعد تصريحاتك باتت المسألة تتعلق بالخطاب السياسى الملائم للحظة عسيرة من تاريخ الشعب المصرى الذى جمعه النهر فلم يتفرق، واعتصم بواديه فعبر الكبوات وهزم أعداء الإنسانية، وشرب من إكسيره الخالد فخلق وأبدع وصنع الحضارة.
حبائل الصبر نفدت!.. نيلنا على المحك، والرجل الجالس بجانبك الممسك بيدك يتلاعب بمستقبل نيلنا، وبمقدّراتنا.
وسواء كان ذلك نابعًا من طموحات محلية أو مدفوعًا بأيادٍ خفية، فالمطلوب هنا المجابهة والصرامة، من أبسط اللفتات والإيماءات وحتى التصريحات ثم الأفعال.
نعرف دماثة خلقك. والعالم كله يعرف أن مصر دولة مسالمة وصديقة لمعظم شعوب الأرض، وبات معلومًا بالضرورة أيضًا أننا لا نقف ضد حلم أى دولة فى التنمية، وإلّا فكيف وافقنا على توقيع إعلان المبادئ عام 2015؟ ولماذا دخلنا فى جولات مطوّلة من المفاوضات كانت تنتهى دائمًا بالتفاف إثيوبى شهد عليه القاصى والدانى؟ حتى ترامب الذى أطلق على السد أوصافًا سلبية تلخص أقصى مخاطره المحتملة!
لقد تحدثتَ عن «تحويل النوايا الطيبة إلى وثيقة مكتوبة» وقلت إنك طالبت أبى أحمد بذلك. فهل هذا تقييمك لتصريحاته الاستفزازية وإفشاله المتكرر للمفاوضات؟ من حقنا أن نفهم لأنه يتعارض بوضوح مع تصريحات رسمية أخرى.
فوزير الرى د. هانى سويلم قال مؤخرًا - فى تصريحات للسلك الدبلوماسى الأجنبى صدرت فى بيان رسمى - إن السد غير شرعى ومخالف للقانون الدولى ويعبر عن محاولات لفرض الهيمنة المائية بدلًا من تبنى مبدأ الشراكة والتعاون. والأهم أن «الدولة المصرية لن تسمح بحدوثه». وفى مارس 2024 صرح لـ «الشروق» بأنه «لا يمكن القول بأن السد لم يضر بنا».
وأكد وزير الخارجية بدر عبد العاطى مؤخرًا – فى حوار مع الإعلامية لميس الحديدى - أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود (منذ ديسمبر 2023) وأن مصر تحتفظ بحق الدفاع عن النفس ومصالحها المائية إذا تعرضت لأى تهديد، مشددًا على الوضعية الصعبة للمواطن على خريطة الفقر المائى «فلا مجال للرفاهية أو التساهل».
دولة الدكتور مدبولى،
إن لغة الجسد، كما الكلمات والعبارات ونبرة الصوت، وسيلة لا غنى عنها لإيصال الرسائل السياسية للداخل والخارج. النظرات وحركات الرأس والأيدى وأمارات الوجه تساهم فى إعادة رسم وجه العالم، وما يفعله ترامب مع ضيوفه فى المكتب البيضاوى دليل حى على ذلك، مستغلًا العدسات والحضور وحتى الإضاءة!
وكنا سنسعد لو أخبرتنا أنك أظهرت فى كواليس المناقشات وجهًا آخر غير الابتسام والحديث الودى. وكان المأمول وقد عاصرتَ الاتصالات المبكرة مع إثيوبيا والمفاوضات الثلاثية واللجوء إلى مجلس الأمن والوساطات المتتابعة الفاشلة، أن تظهر لأبى أحمد ما يكفى من التجهّم والصلادة، معبرًا عن أكثر من مائة مليون مصرى يرونه إمّا منافسًا أو خصمًا أو عدوًا.
وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام