التقى الرئيس السورى أحمد الشرع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الأبيض فى واشنطن يوم 10 نوفمبر 2025، بحضور وزيرى خارجية البلدين. وهذه أول زيارة لرئيس سورى للولايات المتحدة الأمريكية منذ استقلال سوريا، أى منذ نحو 80 عامًا. وتأتى الزيارة بعد نحو 11 شهرًا من إسقاط نظام بشار الأسد وتولى مجموعة فصائل مسلحة فى مقدمتها جبهة تحرير الشام التى يرأسها أحمد الشرع والذى أصبح رئيسًا لسوريا بالاختيار من هذه الفصائل.
كما تأتى هذه الزيارة بعد لقاء الشرع مع الرئيس الروسى بوتين فى موسكو فى 15 أكتوبر 2025، حيث لقى استقبالاً حافلاً وحفاوة كبيرة، بينما لوحظ أنه دخل البيت الأبيض من أحد الأبواب الجانبية ولم يكن ترامب فى استقباله لدى الباب الرئيسى كما تجرى المراسم الأمريكية لاستقبال رؤساء الدول، كما تعمد ترامب الجلوس على مكتبه وجلوس الوفدين السورى والأمريكى فى صف كراسى عادية أمامه.
سبق أن التقى ترامب، أثناء زيارته السعودية، مع الشرع، بناء على طلب من السعودية، وطلب ترامب من الشرع حينئذ عدة مطالب من أجل تحسين العلاقات الأمريكية السورية فى ظل نظامها الجديد، أهمها إخراج كل العناصر الإرهابية من سوريا، وتولى الحكومة السورية الإشراف على مخيمات المعتقلين من الإرهابيين وأسرهم فى سوريا، والابتعاد عن كل من إيران وحزب الله اللبنانى واعتبارهما خطرًا على سوريا وإسرائيل، والانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتى يتبناها ترامب، والعمل على إشراك كل طوائف الشعب السورى فى إدارة شئون سوريا.
سبق لقاء ترامب مع الشرع فى السعودية زيارة وفد من الخارجية الأمريكية دمشق والالتقاء مع الشرع فى 20 ديسمبر 2024، وتباحثوا فى شأن المرحلة السياسية الانتقالية فى سوريا، وقد شدد الشرع خلال اللقاء على عدم السماح للجماعات الإرهابية بتهديد الأمن فى سوريا أو خارجها. كما زار دمشق وفد آخر من الخارجية الأمريكية فى يناير 2025، وقررت واشنطن بعدها رفع العقوبات عن التعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية لمدة ستة أشهر، وذلك فى محاولة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها فى سوريا. وقام وزير الخارجية السورى أحمد الشيبانى بزيارة إلى واشنطن فى سبتمبر 2025، وأجرى مباحثات مع نظيره الأمريكى وعدد من المسئولين الأمريكيين، حول الأوضاع فى سوريا، ومسار المرحلة الانتقالية، والتوتر بين سوريا وإسرائيل وضرورة التوصل إلى اتفاقية أمنية تخفف من التوتر وحالة الاحتقان السائدة بينهما.
• • •
كانت واشنطن قد ألغت فى ديسمبر 2024 المكافأة التى سبق أن رصدتها وقيمتها 10 ملايين دولار أمريكى، لمن يرشد عن مكان أبو محمد الجولانى ــ وهو الاسم الحركى للرئيس أحمد الشرع عندما كان يرأس جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وقد هدأت، بل تراجعت، المطاردة الأمريكية لأبى محمد الجولانى منذ عام 2016 عندما أعلن انفصال جبهة النصرة عن القاعدة وتغيير اسمها إلى جبهة تحرير الشام. وأعقب ذلك عملية غربية لتدريبه وجماعته على التحول من جماعة جهادية متطرفة تتبنى العنف والإرهاب إلى أسلوب وأصول الحكم فى إدلب فى شمال سوريا وتشكيل حكومة مصغرة فيها، إلى أن تم إسقاط نظام حكم بشار الأسد والانتقال إلى دمشق وإعلان الشرع رئيسا لسوريا.
وقادت واشنطن عملية التصويت فى الأمم المتحدة على قرار فى نوفمبر 2025، يقضى بشطب اسم أحمد الشرع (أبو محمد الجولانى) ووزير داخلية سوريا، من على قوائم الإرهاب الخاصة بالأمم المتحدة. وصدر القرار بأغلبية 14 صوتا وامتنعت الصين عن التصويت. وأكد القرار الاحترام الكامل لسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ودعمه المستمر لشعبها، واعتزام تعزيز إعادة الإعمار والاستقرار والتنمية الاقتصادية فى سوريا على المدى الطويل. وأعقب ذلك صدور قرار من وزارة الخارجية الأمريكية برفع اسم أحمد الشرع ووزير داخليته أنس حسن خطاب من قائمة الإرهابيين الخاضعين لعقوبات الحكومة الأمريكية، حيث سبق إدراجهما على القائمة منذ عام 2013.
استبق ترامب زيارة الشرع بالقول أن رفع العقوبات عن سوريا يهدف إلى منح الحكومة السورية فرصة للبقاء والانخراط فى العملية السياسية. وأوضح أن القرار لا يعنى تغييرًا كاملاً فى الموقف الأمريكى، بل هو خطوة مشروطة باحترام الالتزامات الدولية، وتهيئة بيئة ملائمة للحل السياسى فى سوريا، مؤكدًا أن واشنطن ستراقب عن كثب التطورات القادمة فى العلاقات الأمريكية السورية. كما صرح توماس باراك، المبعوث الأمريكى لسوريا ولبنان، بأن الجولة الخامسة من المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أمنى بين سوريا وإسرائيل ستعقد عقب زيارة الشرع لواشنطن وأنه يتوقع التوصل لاتفاق مع نهاية عام 2025.
• • •
قد بحث الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيبانى مع الرئيس ترامب، ومع عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى، وأجهزة الإعلام الأمريكية الأوضاع الداخلية فى سوريا وأهمية العمل على تسوية الخلافات وضمان الحريات الدينية ومشاركة الجميع فى العملية السياسية الانتقالية، وإخراج كل العناصر الإرهابية من سوريا، والتهدئة مع إسرائيل والانضمام للتحالف الدولى ضد داعش، والابتعاد عن إيران وحزب الله اللبنانى. وقد حضر وزير خارجية تركيا حقان فيدان جانبًا من المباحثات، كما عقد اجتماع ثلاثة بين وزراء حربية سوريا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لما لتركيا من دور فعال فى سوريا ولحرص واشنطن على تحقيق التهدئة بين أنقرة وتل أبيب. وطلب الشرع رفع كل العقوبات عن سوريا للمساعدة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والدخول فى عملية إعادة الإعمار.
ووافق الشرع على انضمام سوريا إلى التحالف الدولى ضد داعش، وهو ما يعد تحولاً كبيرًا فى موقف جبهة تحرير الشام التى كانت من قبل مع تنظيم القاعدة وداعش. ولا شك أن انضمام الإدارة السورية الجديدة للتحالف الدولى سيصعد من المواجهة مع داعش وعناصر القاعدة فى سوريا والعراق وما لذلك من تأثير اقتصادى وسياسى على سوريا، كما أنه يقنن وجود القوات الأمريكية التى تقود التحالف ضد داعش فى سوريا، ويتوقع تشكيل فرقة عمليات أمريكية سورية مشتركة على أن تمتد سيطرة الحكومة فى دمشق إلى كل المناطق التى توجد فيها القواعد العسكرية الأمريكية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد السوريين ويصبح التنسيق مع الحكومة المركزية فى دمشق بدلاً من التنسيق مع قسد، أو جيش سوريا الحر، وقد يساعد ذلك فى تقوية موقف الحكومة السورية تجاه مطالب الأكراد بأن يكون لهم إدارة ذاتية، وهذا ما ترفضه تركيا خشية انتقاله إلى الأكراد الأتراك. وقد تسرب أن واشنطن تريد أن يكون لها تسهيلات أو مركز عسكرى فى مطار المزة قرب دمشق لتفعيل مكافحة داعش. كما صرح مسئول أمريكى بأن واشنطن ليس لديها حاليًا أى خطط لإعادة النظر فى وجود قواتها فى شمال سوريا أو فى قاعدة التنف على الحدود مع الأردن.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية وقف معظم العقوبات على سوريا لمدة ستة أشهر أخرى باستثناء تلك المرتبطة بالعلاقات مع كل من روسيا وإيران. ذلك لأن إلغاء العقوبات المعروفة بقانون قيصر، والتى فرضت على سوريا أثناء رئاسة ترامب الأولى عام 2019، تتطلب موافقة الكونجرس الأمريكى على إلغائها، ولكن بعض أعضاء الكونجرس المتشددين يشترطون إلزام دمشق بالتعددية الدينية، وتحسين العلاقات مع إسرائيل، والالتزام بمحاربة داعش.
وقد صرح الشرع فى حديث لإحدى القنوات التليفزيونية الأمريكية بأنه يتعذر حاليًا الانضمام للاتفاقات الإبراهيمية لأن إسرائيل تحتل الجولان السورية. واتفق الجانبان، السورى والأمريكى، على إعادة فتح سفارتيهما فى كل من دمشق وواشنطن.
• • •
يلاحظ أن تصريحات ترامب بشأن أحمد الشرع كانت ودية، فقال إنه ناقش مع الشرع جميع جوانب السلام فى الشرق الأوسط، واعتبره أبرز الداعمين للسلام، وأنه يتطلع إلى اللقاء معه مجددًا. ووصفه بأنه يقوم بعمل جيد حتى الآن، وأوضح للصحفيين الذين تحدثوا عن ماضى الشرع قائلاً «كلنا مررنا بماضٍ مضطرب». وسبق أن وصف الشرع بأنه رجل قوى يبلى بلاء حسنًا فى منطقة صعبة وأن الأمور بينهما جيدة للغاية.
يعمل الشرع منذ توليه السلطة فى سوريا على تقديم نفسه على أنه قائد معتدل يعمل على توحيد سوريا وإعادة إعمارها. ولكن يلاحظ تركيزه على العلاقات الخارجية أكثر من تسوية الخلافات الداخلية مع الدروز والأكراد العلويين. ويحاول أن يلعب لعبة التوازن بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو رهان صعب الاستمرار فيه لفترة طويلة ما لم تتم تسوية المشكلات السورية الداخلية التى قد تنفجر بما يصعب السيطرة عليها.
مساعد وزير الخارجية الأسبق