وأيضًا سناتر التعليم.. المتابعة الغائبة
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 - 6:40 م
اهتز الرأى العام تجاه الانتهاكات الجنسية التى تعرض لها أطفال صغار فى مدرسة خاصة، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يحيط فيها الضوء الأحمر ممارسات التعليم الخاص، والذى يشهد من آن لآخر أحداثا مؤسفة، ليست بالضرورة انتهاكات جنسية، لكنها تشمل عنفًا، وتنمرًا بين الطلاب والطالبات. ولا أريد أن يظهر الأمر كما لو أن التعليم الخاص هو وحده المُدان، إذ إن هناك الكثير من أوجه التراجع والتدهور فى منظومة التعليم الحكومى، الذى يكافح وزير التعليم من أجل عودة الطلاب والطالبات إلى فصولهم.
ولكنى أتحدث عن جانب آخر من العملية التعليمية هو المراكز التعليمية الخاصة التى اصطلح على تسميتها بــ«السناتر»، التى يذهب إليها الطلاب والطالبات بحثًا عن دروس خصوصية، وأحيانَا من أجل دراسة مواد بعينها مثلما يحدث فى بعض مناهج التعليم الدولى. لا تخضع تلك السناتر لأى وجه من وجوه الرقابة، وقد تحدث فيها كوارث إنسانية وأخلاقية وقيمية.
خذ هذا المثال، الذى تأكدت منه.
فى أحد تلك السناتر، فى ضاحية راقية فى القاهرة الجديدة، يدرس طلاب وطالبات فى المرحلة الثانوية من التعليم الدولى، أحد المدرسين اعتاد أن يشتم، ويتنمر على الفتيان والفتيات الدارسين، بأسلوب ضاحك، لكنه مسىء للغاية، وبلغ الأمر أن الدارسين أنفسهم، يبادلونه شتيمة بشتيمة، وسخرية بسخرية، وتنمرَا بتنمر. فلا مانع أن يصف فتاة بأنها «بيئة»، فترد عليه وتقول له أنت «أقرع»، أو يتجه لاستخدام ألفاظ غير مقبولة أخلاقيا وقانونيا مع أحد الطلاب ذوى البشرة السمراء. فى إحدى المرات، اضطر طالب أن يحضر الدرس "أونلاين" أى عبر الانترنت، فما كان من أسرته إلا أن استمعت إلى وصلات من الشتيمة، والاستهزاء والسخرية، والضحك الفارغ، فقاموا بتغيير ذلك السنتر، والذهاب بابنهم إلى سنتر آخر.
السؤال: من يراقب تلك السناتر؟ وما مضمون الثقافة التى يكتسبها الطلاب والطالبات هناك؟ وما انعكاس ذلك على أسلوب تعاملهم مع زملائهم فى المدرسة أو أصدقائهم؟ هل يمكن أن نفصل التعليم عن التربية؟ قد يرى البعض أن المسألة برمتها شأن خاص، يقع فى مسئولية المتابعة من جانب أولياء الأمور، ولكن هذه ليست مسألة خاصة، لأن السنتر يفتح أبوابه فى المجتمع، ويعلن عن نفسه، وينبغى أن تكون هناك جهة ما تراقبه أو تتابعه. لأن ما ذكرته أعلاه، وهو بالمناسبة مُسجل، يمثل خروجًا على القانون.
يعنى ذلك فى أحد أبعاده سقوط فرضية أن التعليم الخاص يقدم جودة أفضل، فلا يزال التعليم الحكومى «المنضبط» يقدم خدمة تعليمية جيدة، يكفى أن نقارن بين ما يتلقاه الطلاب والطالبات فى الجامعات الحكومية، خاصة فى الكليات العملية، وبين ما يتلقاه أقرانهم فى الجامعات الخاصة حتى ندرك أن التعليم الحكومى لا يزال منتجًا، ومتطورًا، ويحتكم إلى معايير جودة مرتفعة.
بالطبع التعميم غير مطلوب، وغير علمى، توجد مدارس خاصة ملتزمة، وتوجد سناتر تقدم خدمة تعليمية جيدة، وتوجد جامعات خاصة تقدم تعليما جيدا فى بعض التخصصات، ولكن تظل هناك جهات تعليمية، على الأقل، مدارس خاصة وسناتر تفتقر إلى الانضباط والنزاهة. يفتح هذا الحديث الباب أمام قضية تكوين المعلم تربويا، وانضباط الخدمة التعليمية، والتزام المدارس بالأطر الأخلاقية، وينطبق نفس الأمر على الأماكن التى تقدم خدمات تعليمية خارج المدرسة، باعتبار أن العملية التعليمية فى الحالتين واحد، هناك مدرس، وهناك طالب أو طالبة، ومقرر دراسى، الفصل هو الفصل، وإن اختلف شكله. أظن لا يكفى أن يضع وزير التعليم مدرسة خاصة اكتشفت فيها مخالفات أخلاقية صارخة تحت الإشراف المالى والإدارى للوزارة، بل ينبغى أن يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، أى مراجعة كامل المنظومة التعليمية، وهى مسألة تحتاج إلى نقاش مجتمعى جاد.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا