x قد يعجبك أيضا

لمن يوجه التحالف العسكرى السعودى الباكستانى؟.. وهل يضم مصر وتركيا؟

السبت 25 أكتوبر 2025 - 7:10 م

أثار التحالف العسكرى الذى وقع بين السعودية وباكستان فى 17 سبتمبر 2025 أسئلة كثيرة، فلأول مرة توقع دولة عربية خليجية مثل هذا التحالف العسكرى مع دولة إسلامية أخرى، كما أن باكستان هى الدولة الوحيدة النووية من العالم الإسلامى، وقد كان جوهر هذا الاتفاق اعتبار «أن أى اعتداء على أى منهما هو اعتداء عليهما معا»، وقد أطلق علية اسم «اتفاق الدفاع المشترك الاستراتيجى». ومن الأسئلة التى يطرحها الاتفاق ما يلى:
أولا لمن يوجه؟ أو بمعنى أدق لمن «يردع؟»، هل هو لردع إيران أم إسرائيل؟ أم كليهما معا؟ وثانيا ماذا نتوقع من آثار لهذا الاتفاق على التحالفات الأمنية القائمة فى المنطقة، خاصة مع الولايات المتحدة؟ وثالثا هل كان الهجوم الذى قامت به إسرائيل ضد قطر مستهدفة الوفد الفلسطينى المفاوض فيها بتاريخ 9 سبتمبر 2025، الدافع الرئيسى لهذا التحالف الجديد؟ ورابعا هل يمكن أن يتوسع هذا التحالف لكى يشمل دولا أخرى من المنطقة، خاصة مصر وتركيا؟


مضمون الاتفاق


يلاحظ بداية أن النص الكامل للاتفاق لم يعلن إلى الآن، باستثناء ما ورد فى البيان المشترك الصادر عن الرياض وإسلام أباد فى نفس الوقت، والمتضمن أهم النقاط التالية:
• يهدف إلى استقرار أمنهما، وتحقيق السلام والأمن فى المنطقة والعالم.
• تقوية مجالات التعاون الدفاعى.
• دعم الردع المشترك ضد أى عدوان.
• اعتبار أى عدوان على أى منهما هو اعتداء عليهما معا، وهو النص الأهم، والذى يعنى صراحة تحالفا عسكريا واضحا.
ومن تصريحات المسئولين فى البلدين حول الاتفاق، وبصفة خاصة أحاديث وزير الدفاع الباكستانى خواجة أصف، يمكن استخلاص أن الاتفاق يشمل تعاونا فى المجالات التالية:
• نقل تكنولوجيا التصنيع العسكرى من البلدين، وهو ما يعنى إمكانية تمويل السعودية لبعض الصناعات العسكرية الباكستانية، ومن ثم نقلها للسعودية.
• دعم القدرات السعودية فى مجال تدريب قواتها المسلحة، ورغم أن هذا البند ليس جديدا فى إطار التعاون القائم منذ عقود فى هذا المجال، وامتلاء الكليات العسكرية الباكستانية دائما بمتدربين من المملكة، بل وتواجد عسكريين باكستانيين فى السعودية بأعداد كبيرة قد تصل لنحو عشرين ألفا، إلا أنه من المرجح زيادة عدد الخبراء العسكريين والقوات الباكستانية فى المملكة، لكى يقوموا بأدوار أكبر من مجرد التدريب، بل تواجد يمكنه الانخراط الفعلى فى الدفاع داخل أفرع القوات المسلحة السعودية بكامل أفرعها الجوية والبرية والبحرية، وكجزء منها، ومؤهلة ومخولة لذلك.
• التعاون والتشارك فى المعلومات الاستخباراتية، ودعم الاستقلال الدفاعى للمملكة، وهذا بند مهم فى ضوء العلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن.
من يردع التحالف العسكرى السعودى الباكستانى؟
هل إيران أم إسرائيل أم كلاهما معا؟
عادة ما يكون الدافع لأى اتفاق دفاعى عسكرى بين طرفين أو أكثر، هو لمواجهة مخاطر وتهديدات من أطراف أخرى، تتناقض معها وتشكل تهديدا عسكريا لها، وفيما يتعلق بالسعودية فلاشك أن إيران كانت تعتبر مهددا للملكة وباقى دول الخليج عقب ثورتها فى 1979، باعتبار أن هذه الثورة فى حد ذاتها انقلاب على نظام ملكى، وكانت طهران تتخذ سياسات مضرة بالمنطقة، وتسعى لتصدير هذه الثورة للدول المجاورة، كما كانت تسعى لامتداد نفوذها الإقليمى من خلال الطوائف الشيعية فى المنطقة، سواء داخل بعض دول الخليج أو فى الدول المحيطة بها (سوريا والعراق ولبنان واليمن)، ولكن التنافس بين الرياض وطهران خفت حدته فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد الاتفاق الذى وقع بينهما بوساطة صينية فى 6 مارس 2023، واستعادا به علاقتهما الدبلوماسية، كما اتفقا على التعاون لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، كما أن الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية المدمرة لإيران نفسها فى يونيو الماضى، ولأذرعها فى المنطقة ضد حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والتغيير الذى حدث بسقوط نظام بشار فى سوريا، لا يدع أى مجال لإيران لكى تعادى دول الخليج، أو أن تشكل تهديدا لها، ويكفيها لملمة جراحها بعد هذه الضربات، وبالتالى لم تعد إيران ذلك الخطر الذى تتحالف المملكة مع باكستان من أجله.
وعلى الجانب الباكستانى، فإن إيران بالنسبة لها دولة جارة، وتتشارك معها حدودا تبلغ نحو 959 كيلو مترا، وبالرغم من بعض الخلافات بل والمناوشات على الحدود من وقت لآخر نتيجة لوجود بعض الحركات الانفصالية المسلحة فى البلدين، إلا أن العلاقات بينهما تتسم بشكل عام بحسن الجوار، وقد أعلنت باكستان مساندتها لإيران بشكل واضح ضد الاعتداءات الإسرائيلية عليها وعلى منشآتها النووية فى يونيو 2025، كما أن باكستان لديها مكون شيعى مهم فى سكانها، وفى قواتها المسلحة، ولا يمكنها لذلك أن تدخل فى تحالف عسكرى لردع إيران مع المملكة، وهناك سوابق لمثل هذه الحساسيات التى تأخذها باكستان دائما فى الاعتبار، ومنها على سبيل المثال عدم استجابتها لطلب المملكة الانخراط فى عاصفة الحزم ضد الحوثيين فى عام 2015.
كما يضاف إلى ذلك أن إيران نفسها أعلنت ترحيبها بهذا الاتفاق العسكرى واعتبرته مقدمة لنظام أمنى إقليمى، بل إن المستشار العسكرى للقيادة الإيرانية اللواء/ يحيى رحيم صفدى صرح «أنه يحبذ انضمام كل من إيران نفسها والعراق ودول أخرى، لهذا التحالف العسكرى». أى لم تعتبره موجها لها.
إذا فهذا التحالف ليس بالقطع موجها ضد إيران، ولذلك ففى تقديرى فإنه موجه ضد إسرائيل وذلك للأسباب التالية:
أولا: بالرغم من أن هذا الاتفاق كان يتم التفاوض بشأنه منذ سنوات، إلا أن وزير الدفاع الباكستانى خواجة أصف صرح بأن «الاعتداء الإسرائيلى على قطر، واستهداف مفاوضى حماس» قد سرع الانتهاء من الاتفاق وتوقيعه، وبالتالى فالدافع الرئيسى هو ما تشعر به الرياض من خطر قادم من إسرائيل، خاصة مع إعلان قادتها عن سياسات توسعية، وهجومية، وعقيدة عسكرية جديدة لا يحدها أى حدود قانونية دولية أو إنسانية، وما قامت به من حروب على المنطقة، وحرب إبادة لمدة عامين بمساندة أمريكية، وما تكشف من فجوة كبيرة وتفوق استخباراتى وعسكرى إسرائيلى فادح، لاشك قد خلق حالة من القلق لدى كافة شعوب ودول المنطقة.
ثانيا: تعطل أو تجميد الاتفاق الأمنى الدفاعى بين الرياض وواشنطن، والذى كان يجرى التفاوض بشأنه قبيل أحداث هجوم السابع من أكتوبر 2023، والذى كانت واشنطن ترغب فى أن يتضمن طريقا ما لانضمام المملكة للاتفاقيات الإبراهيمية، كما أن الضربة الإسرائيلية ضد قطر، وفيها أهم قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة، وهى قاعدة العديد دون حماية حقيقية أمريكية، قد هز ثقة المنطقة، بلا شك، فى أى مظلة أمنية أمريكية، ولذلك كان على المملكة أن تبحث عن بدائل إقليمية للدفاع، على الأقل تكتيكيا، رغم استمرار العلاقات مع واشنطن استراتيجيا، بمعنى أن باكستان على المدى البعيد رغم هذا الاتفاق لن تكون بديلا كاملا للقوة العظمى الأمريكية.
هل يمكن أن يتوسع هذا التحالف لكى يضم دولا أخرى منها مصر وتركيا؟
صرح وزير الدفاع الباكستانى (بأن هذا الاتفاق مفتوح لانضمام دول أخرى، وأن الدفاع عن النفس حق أصيل لكل دولة)، وفى ظل النهج العسكرى الإسرائيلى وحروبها على دول المنطقة بقدر من التوحش، واستخدامها أطنانا من القنابل على المدنيين سواء فى غزة أو لبنان أو اليمن أو إيران، وفى ضوء سياساتها الهجومية حسب عقيدتها العسكرية الجديدة للسنوات العشر القادمة، والمعلنة فى تقرير لجنة ناجل الرسمية الإسرائيلية ومخاطرها على المنطقة، والذى تناولناه فى ثلاث مقالات سابقة، وهو ما يطبقه جيش الدفاع على أرض الواقع، وفى ضوء سياساتها التوسعية المعلنة على لسان قادتها، والتصريحات المعلنة منهم المهددة باستئناف العمليات العسكرية فى غزة، رغم اتفاق المرحلة الأولى حسب خطة ترامب، فقد يكون من المهم، فى إطار سياسات الردع كذلك وليس الهجوم، أهمية دراسة المؤسسات البحثية المنشغلة بالأمن القومى، انضمام مصر لهذا التحالف العسكرى، والتفكير كذلك فى انضمام تركيا، بحيث يشمل (السعودية وباكستان ومصر وتركيا)، وبما أنه تحالف من أجل الدفاع والردع، فلا اتصور وجود أى عقبات قانونية تتعلق بالالتزامات باتفاقيات السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، والتى تعتبر أساسا وسياسة استراتيجية قائمة، ولا حياد عنها، كما أن التزام تركيا كذلك باتفاقية انضمامها لحلف شمال الاطلنطى (الناتو)، لم يحل دون توقيعها لاتفاقيات دفاع مشترك مع أذربيجان للمساعدة العسكرية المشتركة، تضمن النص على أنه (فى حال وجود تهديد لأراضى أو سيادة أو حدود أى منهما، فسوف يعملان بشكل مشترك لمنع هذه التهديدات والمخاطر). وبالتالى فان القانونيين لن يعدموا صياغة لا تتناقض مع أى التزامات قانونية دولية أخرى، وفى نفس الوقت فإن هذه الدول الأربعة يربطها علاقات ودية وتعاون مشترك فيما بينها حاليا، كما أن لها مصالح وعلاقات استراتيجية مع القوة العظمى الأمريكية، والتى عليها أن تتفهم احتياجات دول وشعوب المنطقة للسلام القائم على الردع، فى مواجهة عدم السلام الإسرائيلى القائم على القوة المفرطة بلا رادع.


مساعد وزير الخارجية سابقا وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة