«يخاف الجميع من «حماس»، ونتنياهو يخاف من ترامب». هكذا لخّص مسئول رفيع المستوى فى المنظومة الأمنية الإسرائيلية، الواقع فى قطاع غزة هذا الأسبوع، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الكشف عن هوية أعضاء «مجلس السلام» الذى يُفترض أن يساعد، لاحقا، فى إدارة شئون القطاع، سيتم فى مطلع سنة 2026. وقال ترامب، بأسلوبه المعتاد، إنه سيكون «أحد أكثر المجالس أسطوريةً. رؤساء الدول، الملوك، الرؤساء، رؤساء وزارات، الجميع يريد أن يكون ضمن هذا المجلس». وللحظة، بدا كأنه يتحدث عن قاعة حفلات يبنيها فى البيت الأبيض باستثمار ضخم.
ربما يحدث هذا، فما زال الأمر ممكنا، لكن الظروف على الأرض فى القطاع مختلفة تماما؛ «حماس» تسيطر على الجزء الغربى من القطاع بيد من حديد، أى على نصف الأراضى الواقعة غربى الخط الأصفر، خط السيطرة الإسرائيلية؛ والدول المرشحة للمشاركة فى قوة الاستقرار الدولية لا تبدى حماسةً لإرسال قواتها فى مهمة نزع سلاح «حماس»، لأنها تعتبرها مهمة انتحارية.
نظريا، هذا الوضع يخدم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لقد حصلت إسرائيل على 20 رهينة فى قيد الحياة، وعلى جميع جثامين الرهائن القتلى، باستثناء جثمان أخير لرن غيلى؛ يبدو كأن نتنياهو لا يرغب، فعليا، فى التقدم نحو المرحلة الثانية من الصفقة، لأن ذلك سيجدد الضغط الدولى عليه من أجل تقديم تنازلات للفلسطينيين، وربما إشراك السلطة الفلسطينية فى الترتيبات الجديدة، بينما العودة إلى قتال محدود، فى وقت تبدو «حماس» ضعيفة عسكريا ولا تملك أوراقا إسرائيلية، يمكن أن يخدمه، وخصوصا أنه يؤثر فى الأجندة السياسية خلال سنة انتخابية.
لكن، مَن يكبحه الآن هو ترامب. فمن المتوقع أن يجمعهما لقاء فى آخر هذا الشهر فى مار ألاغو، منتجع ترامب فى فلوريدا؛ ترامب ما زال يتوق إلى تحقيق إنجاز دولى، جرت فى أوسلو مراسم منح جائزة نوبل للسلام، من دونه، ولا شك فى أن الإحباط ما زال يلازمه - وفى ساحات أُخرى. وعلى الرغم من خطاباته المتحمسة، فإنه بعيد عن صورة «أكبر صانع للسلام فى التاريخ» التى يحبّ أن ينسبها إلى نفسه. وتبدو خطة ترامب «المؤيدة لروسيا» فى أوكرانيا كأنها ماتت قبل أن تولد، وعلاقاته بالأوروبيين متوترة، وبشكل خاص بسبب نهجه المتساهل تجاه فلاديمير بوتين، والمفارقة أن غزة المدمرة تبدو الطريق الأكثر احتمالا لتحقيق تقدُّمٍ ما.
حاليا، الوضع العسكرى فى القطاع ليس حساسا، بالنسبة إلى إسرائيل. فما زال هناك جيب صغير يضم عشرات المسلحين من «حماس» فى أنفاق رفح، فى داخل المنطقة الصفراء، لكن الجيش الإسرائيلى يواصل حصاره، ونتنياهو تراجع عن التفاهمات بشأن خروج المسلحين من النفق؛ أمّا التهديد الذى تشكله «حماس» للإسرائيليين فى غلاف غزة، فهو محدود حاليا. تشير التقديرات إلى بقاء نحو 100 صاروخ، أو أقل كثيرا، لكن المفارقة أن ذلك لا يمنع «حماس» من السيطرة بقبضة قوية على المناطق التى انسحب منها الجيش فى داخل القطاع. فهناك آلاف المسلحين بأسلحة خفيفة، ولا تتردد القيادة فى استخدام القوة، كذلك بات تهديد العشائر تجاهها ضعيفا، بعد مقتل قائد الميليشيات ياسر أبو شباب.
مع ذلك، ترامب متلهف لإعلان الانتقال إلى المرحلة الثانية، والذى من المرجح أن يتم بين عيد الميلاد ومنتصف يناير؛ ستشمل هذه المرحلة إقامة كيانات إضافية، مثل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة استقرار دولية. ومن دون هذه الهيئات، هناك شك فى أن يتحرك أى شىء، لكن حتى بعد قيامها، ستظل مشكلة «حماس» قائمة؛ فلا الإندونيسيون، ولا الأذريون، ولا الدول العربية، متحمسون لإرسال رجالهم إلى مواجهة مباشرة لتجريد «حماس» من سلاحها؛ الفكرة، هى تجاهُل الأمر إلى أن يسقط من تلقاء نفسه.
فى غرفة التنسيق المشتركة فى كريات غات، تُجرى نقاشات جدية بقيادة أمريكية، فضلا عن لقاءات يومية، وفق «ساعة عمل» منظّمة ومحددة مسبقا بين الجيش الإسرائيلى والجيوش الأجنبية. لقد حُددت منطقة للبدء بأعمال إزالة الأنقاض والإعمار فى رفح، ويتحدثون عن إنشاء عيادات، وانتشار قوة شرطة، وإزالة الذخائر غير المنفجرة، لكن ما يُسمى «المشروع التجريبى» لا يقدم حلولا سوى لبضعة آلاف من السكان، وفى موعد غير معروف. أمّا الخطة الأكبر، فلم تنطلق بعد.
• • •
كذلك لا يبدو كأن الإدارة الأمريكية متحمسة لفرض مواصلة نزع سلاح حزب الله، فالجيش الإسرائيلى ما زال يهاجم فى لبنان بين الحين والآخر، لكن وقع الهجمات تراجع، وكذلك وتيرة التهديدات الإسرائيلية.
هذه القضايا ستكون أيضا على جدول لقاء ترامب - نتنياهو. حاليا، بناءً على تصريحات ترامب، يبدو كأنه سيسعى لفرض الاعتدال، ولن يساعد إسرائيل على إشعال جبهات هدأت قليلا. ولدى ترامب وسيلة ضغط إضافية: نتنياهو لا يزال بحاجة إلى مساعدته فى مساعيه للحصول على عفو من الرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوغ.
عاموس هرئيل
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية