المجنونة

الجمعة 24 أكتوبر 2025 - 8:20 م

فى عام 1971 أراد الممثل كلينت إيستوود أن يغير من الصورة التى كان يظهر بها فى السينما، وهى صورة راعى البقر، أو رجل الغرب المتجهم الذى يجيد استخدام المسدس ويعيش فى الصحراوات القفر التى قدمها من خلال مجموعة أفلام أخرجها له الإيطالى سرجيو ليون وحقق بها شهرة كبيرة، وهى شخصيات مقززة وابتعد بها الممثل عن النموذج الغربى لبطل رعاة البقر، فأخرج أول أفلامه تحت عنوان «اعزف لحن ميستى من أجلى»، وكعادته فإن ويستوود انفرد بالبطولة وحده، ومعه ممثلة درجة ثانية وهى جيسيكا والتر، وقام بدور مذيع مشهور يقدم برنامجا موسيقيا ليليا وتطلب منه أن يذيع لها مقطوعة موسيقية معروفة باسم ميستى، هذه المستمعة تعاود الاتصال به وطلب نفس الموسيقى، كما أنه يفاجئ بها موجودة فى المطعم الذى يتناول به طعامه وتفرض نفسها عليه، فلا يلفت صحبتها تزداد علاقتهما ويصحبها للمنزل، وتسعى الفتاة إلى الاستحواذ عليه فى كل شىء، فى المنزل، وفى العمل، عاطفيا ونفسيا حتى يدرك ما تريده فيبدأ فى إبعادها عنه، لكنه كل ما حاول ذلك ازدادت اقترابا منه، خاصة أن هناك علاقة من الماضى لا تزال فى حياة هذا المذيع، ومع مرور الأحداث يتضح مدى جنون الفتاة لدرجة أنها تشهر عليه السكين لتقتله فيتم القبض عليها، وإيهامنا أنها خرجت من حياته.
بعد ربع قرن من هذا التاريخ قدمت السينما الأمريكية فيلما شبيها يحمل اسم «الجاذبية القاتلة» بطولة مايكل دوجلاس، حول مهندس تغيب عنه زوجته قليلا فتطارده امرأة تحاول الاستحواذ عليه ثم تحاول إفساد حياته ولكنها تنتهى نهاية مشابهة، وفى أواخر القرن العشرين شاهدنا على بدر خان يقدم هذه القصة فى فيلم «نزوة» بطولة يسرا وأحمد زكى، أى إن القصة أمريكية وليست أبدا من تأليف إسعاد يونس كما جاء فى بيانات فيلم «المجنونة» إخراج عمر عبد العزيز عام 1985، أى إن ظاهرة الاقتباس التى نرجع إليها من وقت لآخر هى أكثر اتساعا من أن ندركها أو نمسك بها، والغريب فى كل هذه التجارب أننا أمام أعمال مأساوية، وليست كوميدية مثلما نعرف عن الأبطال المصريين والأمريكان الذى عملوا فى هذه الأفلام، فهناك جنون الحب، بل هو جنون الامتلاك، والمرأة فى هذه الأفلام كلها لم تتغير، تتحكم فيها عواطفها وتسعى إلى إشباع جسدها من هذا الرجل الفحل، إلا أنه متزوج أحيانا فتقوم العشيقة باختطاف ابنته تمهيدا لقتلها.
إذا أظرف ما فى الاقتباس هنا هو النوع السينمائى، وهو فيلم بوليسى كئيب حول حب التملك لدى المرأة، ولأننا هنا نخص بالحديث فيلم «المجنونة»، فإن المرأة هنا تنتقل من طبقة اجتماعية فقيرة تعيش فى غرفة ضيقة حقيرة، إلى أن تتمكن من عمل نسخة من مفتاح شقة المذيع المعروف ثم تفرض عليه نفسها، تنظف له البيت وتعد له الطعام وتهيئ له الفراش، ومن الغريب أن فى الفيلمين المصرى والأمريكى لم تكن المرأة ذات جسد مثير أو نافر، وإن كانت الممثلة كلين كلوز فى أشد حالات الجاذبية والإثارة فى فيلم «جاذبية قاتلة»، والآن بعد أربعين عاما من سنوات هذا الفيلم يبدو كأن الكثير من المشاهدين لا يعرفونه، ويندهشون من أن الثنائى عمر عبدالعزيز ومحمود عبدالعزيز كانا من صناعه، أى إن مثل هذا النوع من الأفلام كان يعرض دون توهج، هذا التوهج يأتى الآن فقط من عرض هذه الأفلام فى القنوات المتخصصة التى لا يهمها سوى ملء الوقت بالأفلام المتاحة قدر الإمكان، دون أن يكون هناك نقد سينمائى أو تحليل للتعريف بالتاريخ السينمائى الذى عشناه، وكانت الأفلام المعروضة فى خريطة السينما، فكل الأسماء التى شاركت فى «المجنونة» صارت من الأعمدة الرئيسية للسينما المصرية فى كل المجالات، ومن هنا تأتى أهمية التعرف على هذا الفيلم، والمدهش أننا وجدنا أنفسنا ندخل فى المقارنة أفلامًا أخرى مشابهة، وهذا أمر لم يكن فى الحسبان.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة