العذراء ونموذج التطور البريطانى

الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 - 6:15 م

 

المتابع لسياسة المملكة المتحدة، يلاحظ أن سياسة هذا البلد مختلف عن البلدان الأخرى، وهذا يحتاج إلى تمحيص، ربما يقودنا إلى مفاجآت غير متوقعة، إن الباحث فى تاريخ هذا البلد العريق، يلاحظ إن إنجلترا كانت فيما مضى بلد قليل الموارد الاقتصادية. فعندما تسلمت الملكة إليزابيث الأولى الحكم عام 1558 بعد وفاة أختها غير الشقيقة مارى الأولى، التى كان يطلق عليها مارى الدموية، كان الوضع المالى فى إنجلترا غير مستقر، بعد أن تراكمت الديون عليها.

ولكن مع مجىء إليزابيث تغير كل  شىء. فهى أول من وضع حجر الأساس للعلاقات عبر الأطلسى، والطابع المميز للروابط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد شجعت الملكة الرحالة مثل جون هوكينز، وفرانسيس دريك، الذى جال حول العالم فى سفينته جولدين هيند، وحقق انتصارات على الأرمادا الإسبانية، والاستيلاء على الذهب والفضة والكنوز الاسبانية، ما أغنى الخزينة الإنجليزية، ولذلك منحته الملكة لقب فارس.

كذلك فقد شهد عهد الملكة إليزابيث الأولى تطور الأدب والمسرح وظهور الشاعر والكاتب المسرحى المعروف وليم شكسبير، الذى لا تزال مسرحياته تعرض داخل وخارج بلده، أما فى المجال الدينى، فقد تم خلال هذه الفترة وضع الأسس القانونية لانتقال إنجلترا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، حيث أصبحت إليزابيث رئيسة الكنيسة الأنجليكانية بعد أن منحها البرلمان لقب «الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا» بموجب قوانين الإصلاح الدينى عام 1559.

وفى المجال الاقتصادى، تكفى الإشارة إلى أن إليزابيث سلمت إنجلترا عندما توفيت عام 1603، وهى تنعم بفائض مالى بدلًا من الديون التى كانت عليها عندما استلمت مقاليد الحكم. فسياستها الاقتصادية الناجحة أدت إلى استقرار مالى واقتصادى، ولذلك وصفت فترة حكمها الطويلة بأنها «عصر ذهبى» شهد ازدهارًا ثقافيًا وفنيًا وتطور اقتصادى. وإجلالًا لها صار يطلق عليها الملكة المباركة الفاضلة، ولذلك تم تحنيط جثتها فى البداية تكريما لهى، قبل أن يتم فيما بعد دفنها فى دير وستمنستر Westminster Abbey.

ولم تكن الملكة العذراء إليزابيث الأولى هى المرأة الملهمة الوحيدة التى حكمت إنجلترا، وفيما بعد المملكة المتحدة. فبعدها وفى فترات مختلفة حكمت هذا البلد الملكة آنّ، والملكة فيكتوريا، التى يعتبر عهدها من الفترات المميزة. وآخر الملكات، حتى الأن، هى الملكة إليزابيث الثانية، التى رأينها موقعها المتميز فى مؤسسة الحكم فى المملكة المتحدة.

إن هؤلاء الملكات الناجحات، هن من وضعن الأساس لتوجهات السياسة الداخلية والخارجية لهذا البلد، لأن من جاءوا بعدهن، كانوا يرغبون فى السير على نهجهم وتقليدهم وفقًا لمبدأ معروف Demonstration of effect، ولذلك نلاحظ أن الطابع النسائى هو الذى يغلب على سياسة المملكة المتحدة، وأعتقد أن هذا الطابع لا يحتاج إلى شرح، فكلنا لدينا نساء فى بيوتنا ونعرف كيف يديرونها بالحيلة والكياسة.

 

عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

جريدة الرياض السعودية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة