«لو المدرسة غالية يا أستاذ شريف، أهل مراتى حيبقوا مطمئنين».
قالها الزميل الشاب، وهو يحكى لى عن مغامرات البحث عن مكان فى المدرسة الفلانية، والمدرسة العلانية، للابن الصغير الذى سيحمل كل آمال المستقبل على أكتافه الصغيرة، مع كل ما سيتلقاه من رعاية وحب، وما يستلزم ذلك من أرقام ترمز لمبالغ مالية على الأب والأم جمعها.• • •ومن ضمن تفاصيل المغامرة، أن يبحث الأب الشاب عن واسطة هى ضرورة محتومة لقبول الابن فى الجنة الموعودة.الواسطة تختلف درجاتها وفقًا للغرض منها. قد تكون للتغلب على الانطباع الأول الذى تولد لدى الإدارة السامية للمدرسة عند رؤية الأب زائغ العينين أو مرهقًا نفسيًا من مجرد التفكير فى أعباء المرحلة الجديدة، وكيف سيدبرها وهو ينظر فى أنحاء المدرسة التى أرادوا لها أن تكون مبهرة، رغم أن معظم ما يقع عليه نظره لن يكون مستخدمًا أو متاحًا لابنه إلا ساعة أسبوعيًا، أو ساعتين لو كان محظوظًا.• • •أو تكون الواسطة مطلوبة للتغاضى قليلًا عن ضرورة أن يكون الطفل نفسه متمتعًا بمهارات ربانية تجعله مقبولًا فى المكان الذى من المفترض أن يعلمه هذه المهارات نفسها. فيكون طفلًا اجتماعيًا، متحدثًا، بشوشًا، هادئًا، وكأنه للتو تم تجسيده من صورة صنعها الذكاء الاصطناعى عن شكل الطفولة السعيدة. ولو أن الطفل أو أسرته قد طعّموا الحديث ببعض الكلمات الإنجليزية أو الفرنسية، فمفعول ذلك أكيد فى أن تتقدم استمارة التقديم بعض المراكز نحو قمة القائمة التى سيتم النظر إليها بعين العطف.• • •فى حالة زميلى الشاب، وصله من المعرفة المشتركة الوسيطة مع أصحاب المدرسة التى تقدم لها أن الوساطة ستكون ضرورية لتخطى عقبة طبيعة عمله!– «أصل صاحب المدرسة والإدارة بيشوفوا كلمة صحفى فى استمارة التقديم، يعتذروا ويتحججوا باكتمال العدد. مش عاوزين وجع دماغ».أسرّ له الوسيط.• • •وهكذا، يتحول الأب، والأم، والابن، أو الابنة، إلى أسرى لحظة القبول. يخشى الأب أن يخذل الطفل الذى يمثل كل حلم لم ينجح هو فى تحقيقه، وتتخوف الأم على مصير ابنها الذى صوّر لها المجتمع أن كل نجاح قادم فى الحياة يتوقف فقط على العبور من بوابة هذه المدرسة أو تلك.• • •أسمع هذه التفاصيل فى أوقات محددة من كل عام. تجارب يحكيها أصحابها. بعضهم يحكى والحيرة تسيطر على مخرج كل حرف ينطق به، بينما يحكى آخرون وقد خرجت كلماتهم بلا أى مشاعر. مجرد تسليم بما فرضه المجتمع عبر دوائر الأخوة، والأهل، والأصدقاء، والأقران.• • •مثلهم تمامًا، مررت أيضًا بالتجربة، لكن حصّنت نفسى بقدر من التمرد الموروث عن أبى، وباتفاق صريح مع رفيقة العمر بأن تحمينى وتحمى الأطفال والمدرسة، بعدم توريطى فى التزامات تخص الدراسة والأنشطة وخلافه. سأفعل كل شىء، إلا المرور من بوابات المدرسة لأمر يتعدى توصيلهم منها وإليها.لا أعلم حقًا كيف علقت تجربتى طفلًا بذهنى حتى اليوم!• • •وقفت أمام الناظرة الشهيرة للمدرسة الشهيرة فى السبعينيات، عندما خضع والداى لنفس اللعبة الشريرة. تفحّصتنى طويلًا، ثم شدّت شعر رأسى قائلة إنه طويل وفوضوى. أتذكر أن أبى لمح فى وجهى نظرة ألم، وما إن خرجنا من مكتبها حتى قال لى: «مش ح أدخلك المدرسة دى. ما تخافش».• • •واتجهنا إلى مدرسة أخرى أكثر طيبة وإنسانية. ظلت بيتًا لى حتى تخرجت منها شابًا.نصحت زميلى الشاب بأن يتمهل، وألا يخضع لمن يرغب فى رسمه فى شكل محفظة من المال، أو قالب اجتماعى مزيف. وجدته يقول لى: «لا أملك شجاعة والدك رحمه الله، وأظن أن السيدة زوجتك قد نجحت فى إدارة الشأن المدرسى بما تماشى معك، لكنكم جميعًا خضعتم فى النهاية بدرجات مختلفة».• • •قطع حديثنا زوجتى العزيزة تنقل لى سؤالًا من صديقة لها: «هو إيه اللى حصل فى مصائب المدارس الأخيرة؟»كانت مندفعة فى الحديث، ولم تلتفت إلى أننا نتحدث عن الموضوع ذاته من زاويته المزمنة، لا مشكلته المخيفة الطارئة!• • •موقف وصورة عابرة للأجيال تعبّر عن لعبة امتصاص الدماء من الأمل. مدرسة تعد بكل ما هو مشرق طالما خضعت ودفعت الرقم المطلوب، أو انتميت للصورة الاجتماعية المنشودة. الرقم يتحصل عليه الأب والأم بالكاد وحرق الأعصاب، لكنه الضرورة التى فرضها المجتمع وقال إنها الأمل الوحيد.صورة عن أبنائنا فى الداخل الذين صرنا نخاف عليهم أكثر من أبنائنا فى الخارج.
مقالات اليوم جميل مطر يوم ممتلئ بالمتغيرات حسن المستكاوي أداء المنتخب وراء «الفوز المهم» خالد أبو بكر تقارب إسرائيل مع اليونان وقبرص وتأثيره على الأمن الإقليمى والعربى عاطف معتمد حاجتنا إلى عصر ما قبل الأسرات سامح فوزي العدالة الثقافية والتكنولوجيا سيد محمود معجم الدوحة واختبار نجيب الريحانى رخا أحمد حسن قراءة تحليلية لاستراتيجية الأمن الأمريكية الترامبية محمد القرماني مصلحة الطفل تسبق المكاسب الاقتصادية صحافة عربية العذراء ونموذج التطور البريطانى من الصحافة الإسرائيلية قمة نتنياهو- ترامب.. المهمة قتال على كل الجبهات
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك