x قد يعجبك أيضا

بعد فيضانات السودان المدمرة.. هل تراجع إثيوبيا نفسها؟

الأحد 5 أكتوبر 2025 - 8:00 م

الفيضانات العارمة التى تجتاح الآن ست ولايات سودانية، سببها القرار الأحادى الكارثى من إدارة السد الإثيوبى بفتح بواباته دون أى تنسيق مع الحكومة السودانية، وهو قرار خطير أنتج تداعيات خطيرة، الأمر الذى يحتم على إثيوبيا مراجعة توجهاتها وسياساتها بشأن ذلك السد، وإعادة صياغة علاقاتها مع دولتى المصب، السودان ومصر، على أسس علمية وتنظيمية وقانونية سليمة.

وقد كان من المخطط تشغيل 13 توربينًا لتوليد الكهرباء، لكن لم يُركَّب منها سوى 8، ولم يعمل منها سوى 5 تعمل بشكل متقطع ودون انتظام. وطوال الشهور الماضية لم تقم السلطات الإثيوبية بالتفريغ التدريجى لبحيرة السد لاستقبال مياه موسم الأمطار، وانتهجت سياسة التعنّت والمكابرة لإخفاء تعطل التوربينات.

وبعد وصول معدلات سقوط الأمطار على الهضبة الإثيوبية إلى مستويات قياسية مفاجئة، وامتلاء بحيرة السد إلى أقصى مستوياتها، وفى ظل الضغط الهائل للمياه المحتجزة فى البحيرة، بات ذلك الوضع يشكّل خطرًا جسيمًا على سلامة سد النهضة، الأمر الذى دفع إدارة السد الإثيوبى إلى فتح المسارب والبوابات، ما تسبب فى تدفّق كميات هائلة من المياه تُقدَّر بـ750 مليون متر مكعب يوميًّا نحو السودان، الذى تعرّض لمفاجأة قاسية وفيضانات مدمّرة.

• • •

نتيجة صلف الحكومة الإثيوبية وغياب اتفاقية قانونية دولية ملزمة لجميع الأطراف، وغياب بروتوكولات تنسيق أعمال تشغيل السد الإثيوبى مع هيئات وإدارات السدود والموارد المائية فى السودان ومصر، تفاجأت السلطات السودانية بهذه التدفقات الهائلة من المياه، فاضطرت إلى الفتح الاضطرارى المفاجئ لمفيض سد الروصيرص المتاخم للحدود الإثيوبية، مما تسبب فى ارتفاع منسوب مياه النيل الأزرق، وإلحاق أضرار كبيرة وخسائر جسيمة فى أراضى وبلدات وقرى ولاية النيل الأزرق فى السودان وصولًا إلى الخرطوم.

تشاء المقادير أن تتدفق كميات كبيرة من المياه إلى نهر السوباط، الذى يلتقى بالنيل الأبيض عند مدينة ملكال، ثم يتجه شمالًا إلى سد جبل الأولياء جنوب الخرطوم، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع مناسيب مياه النيل وغمر مساحات شاسعة من الأراضى جنوب الخرطوم.

السودان الشقيق يمر الآن بكارثة تتحمل مسئوليتها الحكومة الإثيوبية، حيث يعانى ملايين المواطنين السودانيين من خسائر جسيمة وتدمير البيوت وضياع الموسم الزراعى، وهى كارثة مرشحة للتصاعد لو استمر الارتفاع القياسى فى مناسيب مياه النيل، وصولًا إلى مرحلة الفيضانات المدمّرة بسبب التصريفات الهائلة من مخزون السد الإثيوبى.

المحاذير والتداعيات الخطيرة من ذلك السد الإثيوبى طالما حذّرت منها مصر والسودان، وجميعها ــ للأسف ــ حدثت طوال الأيام الماضية، وفى مقدمتها مخاطر الخطوات الأحادية الإثيوبية المنفردة فى ملء وتشغيل وتفريغ المياه، والمخاطر المتعلقة بأمان جسم السد واحتمالات انهياره، ومخاطر التصريفات المائية الإثيوبية غير المنضبطة.

• • •

إصرار الحكومة الإثيوبية على الإدارة المنفردة لعمليات الملء والتخزين والتفريغ للسد، دون أى اتفاق أو تشاور أو تنسيق مع السودان ومصر، يزيد من تعقيد وخطورة تشغيل السدود على نهر النيل. والوضع فى السودان أكثر خطورة، ولاسيما أن سدى الروصيرص وسنار سعتهما التخزينية محدودة، وهما يقعان مباشرة فى مصب مياه سد النهضة الإثيوبى. كما أن إصرار إثيوبيا على أسلوبها الانفرادى يعنى مداهمة السودان بكوارث مفاجئة فى غياب التخطيط والتنسيق والتعاون بشأن تدفقات المياه.

سياسة تعامل الحكومة الإثيوبية مع السودان ومصر بشأن السد لن تعفيها من المسئولية القانونية والسياسية والمالية عن الأضرار الجسيمة التى حدثت وستحدث، لو استمر ذلك السيناريو الكارثى فى التكرار كل عام، مع إصرار الحكومة الإثيوبية على ملء بحيرة سد النهضة إلى سعتها القصوى رغم المحاذير والمخاطر الهندسية لذلك، وفى مقدمتها احتمال انهيار السد والتسبب فى فيضان هائل قد يغرق السودان ويحدث كارثة مروّعة غير مسبوقة.

• • •

كل ما حدث وما سيحدث بشأن السد الإثيوبى هو نتيجة غياب اتفاق قانونى ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن قواعد التشغيل والملء والتفريغ، وهو الاتفاق الذى طالما دعت إليه مصر والسودان باعتباره الضامن للتشغيل الآمن والسليم للسد الإثيوبى، وبما يحقق الأمان والتنمية والعدالة للدول الثلاث، لكن إثيوبيا ترفض ذلك الاتفاق وتتهرب منه بمختلف الحجج والذرائع.

ذلك الصلف والتعنّت الإثيوبى يعكس ويؤكد أن لإثيوبيا أهدافًا سياسية من بناء سد النهضة تتجاوز بكثير الأهداف التنموية التى تدّعيها. فمن الواضح أن توليد الكهرباء ليس الهدف الوحيد لذلك السد، ومع اعتبار حجم السد الإثيوبى المبالغ فيه وسعته الاستيعابية الهائلة، يبدو جليًا أنه يستهدف الهيمنة على منابع نهر النيل والتحكم السياسى فى موارد المياه، واستغلال المياه استغلالًا سياسيًّا للابتزاز والضغط.

ليست إثيوبيا الأولى، ولن تكون الأخيرة، التى يتعين عليها الالتزام والانصياع للمواثيق والاتفاقيات الدولية بشأن الأنهار. فخلال المائتى عام المنقضية تم توقيع 450 اتفاقية دولية خاصة بالأنهار، منها 150 اتفاقية وُقعت خلال الخمسين عامًا الماضية، وفى الوقت الحالى توجد 145 دولة موقعة على اتفاقيات ومعاهدات لتنظيم التنسيق والتعاون بشأن الأنهار والموارد المائية.

الأمثلة عديدة على ذلك، وفى مقدمتها اتفاقية هيئة نهر الميكونج، التى تضم تايلاند وفيتنام ولاوس وكمبوديا، والمبرمة وفقًا للقواعد الخاصة بالأنهار المشتركة، وهى اتفاقية تساوى بين حقوق دول المنبع ودول المصب، واستمرت سارية ومعمولًا بها حتى أثناء حرب فيتنام.

حتى بين الهند وباكستان، الدولتين المتنازعتين منذ عام 1947 إلى اليوم، توجد اتفاقية مياه نهر السند الموقعة عام 1960 لتقاسم واستخدام مياه نهر السند وروافده، وبموجبها تمت تسوية معظم المشكلات المائية بين الهند وباكستان عبر الإطار القانونى الذى حددته المعاهدة.

وفى أمريكا الجنوبية تأسست هيئة الاستغلال الاقتصادى لنهر الأمازون عام 1960 لإدارة المياه والغابات والزراعة، بعضوية البرازيل وكولومبيا وبيرو وإكوادور وفنزويلا وبوليفيا.

• • •

يجب أن تدرك الحكومة الإثيوبية أنها لا يمكنها الاستمرار فى ضرب عرض الحائط بالتنظيم الدولى والمواثيق والمعاهدات الدولية بشأن الأنهار، فهذه هى قواعد القانون الدولى التى تسرى وتنطبق على جميع الدول، وأن التزام إثيوبيا بها كفيل بإرساء أسس الاستقرار والتعاون والتفاهم بين شعوب نهر النيل قبل أن يكون بين الحكومات.

كما يتعين على الحكومة الإثيوبية أن تفهم أنها لن يمكنها الاستمرار على هذا النهج الأحادى المتعنت، وأن ملف مياه نهر النيل يمثل قضية وجودية لمصر، مثلما هو كذلك للسودان، وأن التعاون فى منطقة حوض نهر النيل يتطلب تغليب روح التفاهم والتعاون من أجل مستقبل أفضل للجميع.. فهل تراجع إثيوبيا نفسها؟

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة