«يُعطى لسى ملر»، هكذا كتبت الزوجة، كوصية يتعين تنفيذها بعد وفاتها، واضعة ما كتبته قرب دبوس اللؤلؤ الذى تضعه النساء، عادة، على صدر بذلاتهن. قرأ الزوج العبارة وتأمل الدبوس، دون أن يخفى دهشته من أن الزوجة التى تركت هدايا لكل أصدقائها لم تنسَ سى ملر، سكرتيرتها التى كانت عونًا طويلًا لها.اعتقد الزوج دائمًا أنه سيموت أولًا، لكن الأقدار شاءت العكس، والمدهش أن الزوجة تركت وصيتها بتوزيع بعض ما تملك على من تعزّ، قبل أن تغادر بيتها نحو الشارع فى مشوار ما، وفى غفلة ستعبر الشارع لتداهمها سيارة مسرعة ترديها ميتة. فكّر الزوج فى أمر الحدس الغريب لدى زوجته عن قرب نهايتها، حتى لو لم تكن تتخيل أن هذه النهاية ستكون بعد دقائق فقط.ليس هذا وحده ما فكر فيه الزوج. قال لنفسه إنهما تشاركا فى كل شىء، إلا فى مذكراتها التى تقع فى خمسة عشر جزءًا صغيرًا، ها هى مصفوفة على منضدتها، حيث حرصت منذ زواجهما على أن تُدّون مذكراتها، التى كانت موضوع جدال بين الزوجين فى بضع مناسبات، ذلك أنه إذا دخل عليها الغرفة وهى تكتب فيها، أغلقتها أو وضعت يدها عليها وقالت: «لا. لا. لا.. لعلى أسمح لك بقراءتها بعد أن أموت». لم تترك له هدية كما فعلت مع أصدقائها بمن فيهم السكرتيرة، بل كانت المذكرات هى ما تركتها له. جاء موتها مفاجئًا، حتى إنه قال لنفسه، وهو ينظر إلى كراس المذكرات: «لو أنها فى تلك الساعة المشئومة وقفت لحظة، وتروت لكانت الآن حية ترزق، لكنها نزلت عن الرصيف ومشت إلى عرض الطريق، ولم تعطِ السائق فرصة لإيقاف سيارته».شرع الزوج فى قراءة المذكرات كيفما اتفق، لتصادفه العبارة الآتية: «كان جلبرت (وهذا هو اسم الزوج)، جميلًا جدًا». ثم استمر فى القراءة: «وما أشد افتخارى بأننى زوجته». شعر بالفرح، وانهمك أكثر فى قراءة المذكرات لتطالعه صفحات عن رحلاتهما المشتركة، بما فيها رحلة إلى البندقية، حيث كتبت الزوجة: «قصّ علىّ جلبرت خلاصة ممتعة جدًا لتاريخ البندقية». وتتالت مدائح الزوجة لزوجها عضو مجلس العموم الذى كان يمكن أن يكون رئيسًا للوزراء.لم تطل بهجة الزوج وهو ينتقل من جزء إلى آخر من مذكرات الزوجة. سنفهم أن الفتور دبّ فى العلاقة بين الزوجين.. هنا سيقرأ الزوج تفاصيل صادمة تمنى لو أنه لم يعرف بأمرها، ربما كانت هى التى كانت تكتبها حين دخل عليها الغرفة، وحالت بينه وقراءة ما تكتب. لا مكان هنا لتلك التفاصيل، ستجدونها فى قصة «التركة» للأديبة الإنجليزية فرجيينا وولف، التى ترجمها إلى العربية جبرا إبراهيم جبرا.
حسن مدنجريدة الخليج الإماراتية
مقالات اليوم جميل مطر نحو توقع نشوب تسونامى ترامبوى حسن المستكاوي هل تعود الجائزة عربية بعد 6 سنوات؟ عماد الدين حسين الجديد فى بيان قمة الرياض محمود محي الدين من «باكو» إلى من لا يهمهم الأمر! قضايا تكنولوجية كيف يستفيد إيلون ماسك من إدارة ترامب الجديدة؟ قضايا اقتصادية ترامب وسياسة الطاقة الأمريكية
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك