x قد يعجبك أيضا

نحو توقع نشوب تسونامى ترامبوى

الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 6:15 م

توفق المحلل الذى استخدم تعبير تسونامى فى وصف توقعاته لحال السياسة فى الغرب فى قادم الأيام، أيام ما بعد فوز الرئيس دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. وجدت نفسى أتفق معه فى اختيار التعبير وإن اختلفنا حول كثير من اختياراتنا لدوافع هذا الاعصار أو لمحركاته.
أولًا: نحن، أقصد كل مواطنى هذا العالم، فى حضرة رجل غاضب أشد الغضب. رجل سوف يتولى بعد أيام معدودة قيادة هذا العالم ويقرر أين يفرض السلم وأين يفرض الحرب وفق حسابات أكثرها شخصى، أو كما أدركها هو بشخصه وتجربته ومصلحته. ترامب غاضب ليس فقط على الحزب الديمقراطى وحكومة الرئيس جو بايدن لكن أيضًا على شعب تخلى عنه، ولم ينتفض مع المنتفضين فى يناير قبل أربع سنوات عندما أعلنت هزيمته فى انتخابات تجديد رئاسته. هو أيضًا غاضب على عسكريين فى الجيش والحرس الوطنى تخلوا عنه وعلى إعلاميين استلموه بالانتقاد الشديد والإهانات المتكررة منذ تلك الهزيمة.
ثانيًا: نحن أيضًا فى حضرة أعداد هائلة من أمريكيين وأوروبيين غاضبين على ترامب غضبًا شديدًا إلى حد دفع ببعضهم إلى تخطيط ومحاولة تنفيذ عمليتين لاغتياله خلال حملته الانتخابية. فى قول آخر، وهو قول ينم فى حد ذاته عن غضب أشد ودفين، إن ترامب وأعوانه فى الدولة العميقة دبروا العمليتين تنفيثًا لبخار غضب الشارع الأمريكى أو إعادة توجيهه لمصلحة العودة الترامبوية.
• • •
ثالثًا: كثيرون حملوا الرئيس المتنحى جو بايدن جانبًا من المسئولية عن تحريك الإعصار القادم. يقولون إن خروج أمريكا من أفغانستان فى عهد بايدن لم يكن، بعبارات مهذبة، لائقًا بسمعة الدولة الأعظم ولا بسمعة أكبر جيوش العالم حجمًا وأغناها عدة وقوة. هذا الجرح ظل داميًا ومؤثرًا بأعمق الآثار. أضف إلى هذا الدافع أو المحرك لإعصار متخيل قادم اختيارات الرئيس بايدن السيئة لأعضاء جهاز الحكم المسئول عن السياسة الخارجية والأمن. يضربون مثلًا، هو بالفعل صارخ، باختيار ضابط فى الجيش الإسرائيلى ليدير مفاوضات مع المسئولين اللبنانيين ونظرائهم الإسرائيليين حول الوضع فى الجنوب اللبنانى الواقع تحت عملية إبادة أخرى تجريها قوات إسرائيل خارج حدودها الدولية.
• • •
رابعًا: لا دليل أقوى على أن النية مبيتة ضد الجانب العربى فى صراع الشرق الأوسط لحمله على القبول بأوضاع تحمل الكثير من صفات الإهانة والمهانة والتحقير من إصرار غير مبرر أخلاقيا من رئيس دولة عظمى على توصيف ذاته بالصهيونى العتيد، أى المؤمن بحق إسرائيل فى التوسع على حساب شعب عربى أو آخر متجاوزًا كل إدعاء ثبت زيفه خلال مراحل حكم الحزب الديمقراطى يزعم أن الديمقراطيين الأمريكيين دعاة حقوق إنسان وقوانين دولية وعقيدة ديمقراطية. بمعنى آخر أسقط قادة الحزب الديمقراطى الميزة النسبية التى يفترض أن يتمتع بها هذا الحزب على حساب الحزب الجمهورى وبخاصة سمعة المرشح دونالد ترامب، الذى اكتسب عن جدارة بفضل سيرته كرئيس للدولة أو كمرشح للرئاسة سمعة صديق الحكام المستبدين والأقل احترامًا للقيم الإنسانية.
• • •
خامسًا: أضف إلى السمات المعروفة عن شخص الرئيس بايدن كسناتور عتيد ونائب للرئيس وخبير متخصص فى الشئون الدولية سمة سوء التقدير خلال أوقات الأزمة. يحكون الكثير و لكن يهمنا فى هذا الكثير ما عايشناه خلال الأيام الأخيرة. لا نتحدث عن حلول مبكر للشيخوخة جعل الرئيس بايدن يتصرف تصرفات تسىء إلى قدرات الشخصية الأهم فى قيادة الدولة الأعظم، الشخصية التى تصنع السياسة وتتخذ القرار، وبخاصة قرار السلم والحرب.
نتساءل مع غيرنا إن كانت هذه الشيخوخة المبكرة وراء اتخاذ قرار إشعال حرب بين أوكرانيا والاتحاد الروسى، وهى الحرب التى أثارت انقسامات خطيرة داخل الحلف الأطلسى، لكنها، وهو الأهم، هى والحرب الإسرائيلية فى غزة، اللتان كلفتا الميزانية الأمريكية فوق ما تحتمل، خضوعًا واضحًا من جانب القيادة السياسية لمصالح شركات كبرى لتصنيع وتمويل السلاح من ناحية، وخضوعًا من ناحية أخرى لأهداف الدولة الأشد عمقًا فى الولايات المتحدة، ممثلة فى الحركة الصهيونية العالمية.
• • •
سادسًا: أظن، وأكثر الظن فى رأيى حق، أننا من موقعنا كمحللين صرنا شهودًا متضامنين مع شهود فى أنحاء أخرى من العالم وإن كنت أخص بالذكر أوروبا بدرجة أقل والعالمين العربى والإسلامى بدرجة وفيرة للغاية، وبخاصة بعد انعقاد قمتهما قبل يومين. كلنا نشترك فى تكوين دافع من دوافع إعصار القادم من الأيام أو نشكل مجتمعين محركا من محركاته. أما ما استعد من هذه الدوافع والمحركات وصارت له معالم لا تخفى فبعضه كالآتى: (أ) معالم ثورة شباب لا تروق لهم ما يلاحظون ويرقبون من تحولات اجتماعية وسياسية وما يهيمن على ساحاتهم الأكاديمية والرياضية من قوى صهيونية أو متحالفة معها تستخدم كافة أساليب العنف بما فيها الإبادة الجسدية والطرد من الوظائف والجامعات واستبعادهم من المناصب السياسية ومن الترشيحات لمناصب القضاء والمواقع التشريعية. (ب) الولوج الفعلى من بوابات الإبادة والتهجير والاغتيال والتدمير إلى وضع اللبنات النهائية فى بناء إسرائيل الكبرى. (ج) الخروج إلى العلن والجهر فى الاستيطان القسرى للضفة الغربية، قلب مشروع الدولة الصهيونية الأوسع. لاحظ هنا التكرار الإسرائيلى المتعمد لإذاعة تصريحات وزير المالية الإسرائيلية فى الساعات نفسها التى كانت شعوب العالمين العربى والإسلامى تنصت بكل الاهتمام الممكن فى انتظار إعلان رد زعمائهم على هذا التحدى المعلن من جانب حكومة إسرائيل. لم يصدر الإعلان حتى نهاية أعمال المؤتمر. (د) أجمع الزعماء العرب والمسلمون، أو كادوا يجمعون، على أن المجتمع الدولى أخفق فى التعامل مع الغزو الصهيونى لغزة ثم للبنان، فات علينا جميعا للوهلة الأولى الاعتذار عن كوننا نمثل غالبية مجتمع الجنوب الدولى عددًا على الأقل، ونمثل ثلث عدد أعضاء المجتمع الدولى الذين نتهمهم بهذا الإخفاق. مرة أخرى رحنا نمارس عادة غير طيبة من عادات مؤتمراتنا، وهى تبرئة أنفسنا بإلقاء اللوم على غيرنا. مرة أخرى نكتم بخار الغضب غير مكترثين بالقدور، وهى تغلى فى ربوع فلسطين وفى نجوع العرب فى كل مكان، تغلى بالصمت حينًا وبالانفلاتات المفردة حينًا آخر وبتسونامى، أى سلسلة أعاصير، لم يحسب له حساب حينًا ثالثًا.
سابعًا: الزوابع تتجمع فى سكون فى مواقع متفرقة فى انتظار شخص وسياسات وتصرفات يجمعها فى تسونامى، والشخص باعتراف أقرب وأكفأ الخبراء هو الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الزعيم الصعب التنبؤ بتصرفاته وتوقيتاتها، المتقلب الأهواء، والغريب الأطوار، المشحون بالغضب والنفس المتضخمة، المرتبط بمصالح وطموحات غير مشبعة، الخاضع، شاء أو تمرد، لطغيان الحركة الصهيونية الصاعدة نحو هيمنة مطلقة وشاملة بسرعة ووحشية لم يسبقها إليها إلا النازية وما فعلته باليهود وغيرهم من الأقليات غير الآرية.
• • •
ثامنا وأخيرا: يبقى مثيرا للاهتمام والتساؤل التغير المتعمد نحو التصعيد فى لهجة خطاب رئيس مؤتمر الدول الإسلامية والعربية. لا شك أن التصعيد فى هذا التوقيت المتأخر وإن أعفى أعضاء المؤتمر من مسئوليتهم عنه إلا أنه فى نهاية الأمر أضاف دافعًا قويًا إلى مجموعة الدوافع وراء إعصار تسونامى قادر على صنع توترات عظيمة فى تفاعلات النظام الدولى وبخاصة فى الشرق الأوسط خلال سنوات حكم الرئيس ترامب.


Write to مارينا نبيل

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة