توافد المشاركون فى مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ فى باكو، عاصمة أذربيجان، الذى يبدأ بعقد قمة لقادة الدول، تصحبها مفاوضات فنية تنتهى باجتماع لرؤساء الوفود وإعلان مخرجات ما تم التفاوض عليه بغية تحقيق أهداف اتفاق باريس لعام 2015. وفى هذا المؤتمر وفى الفعاليات الرسمية وغير الرسمية يتردد على مسامعك ما قد تردد كثيرا من قبل، وتعرض تقارير ما جاء فى سالفاتها من أدلة وبراهين على المخاطر الداهمة والأزمات المحدقة بالكوكب ومن فيه وما يحويه:- فيذكرك وزير من أمريكا اللاتينية بأن شتاءهم صار فيضانات مدمرة، وأن صيفهم أصبح حرائق مهلكة.- ويستغيث القادمون من الجزر الصغيرة من مخاطر وجودية تلتهم بها المحيطات ما تبقى لهم من يابسة.- ويرتجل قائد إفريقى كلمة يندد فيها بغياب العدل بتحمل القارة السمراء أعباء التكيف مع تغيرات المناخ من تصحر، وشح فى المياه، وزيادة حالات الجفاف والتهديد بالمجاعات، رغم أن انبعاثات القارة لا تتجاوز 3 فى المائة من الإجمالى العالمى.- وينبرى أحد ناشطى المجتمع المدنى من الأوروبيين بأن توابع تدهور المناخ لا تصدها الحدود السياسية والجغرافية، وأنها لا تفرق بين غنى وفقير مستشهدًا بآثار الأعاصير، التى تجاوزت التحصينات رغم نظم الإنذار المبكر والإنفاق الضخم على ترتيبات التكيف مع تغيرات المناخ.- ويقرأ أحد المشاركين نصًا من تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2024، عن فجوة الانبعاثات، بأن المطلوب للعالم حتى لا يتجاوز الحد الحرج لحرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، فوق متوسطاتها عند الثورة الصناعية، هو تخفيض الانبعاثات بما لا يقل عن 42 فى المائة حتى عام 2030؛ وهو ما لن يحدث.- ويأتيه رد من إحدى المشاركات بأن التقرير الآخر للجهة نفسها عن فجوة التكيف لعام 2024، فيه أنه رغم أن العالم على مسار زيادات لحرارة الأرض تتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية، مع نهاية هذا القرن، فإن جهود التكيف مع تهديدات المناخ قاصرة تمويلاً وتدبيرًا. وأنه رغم زيادة تمويل جهود التكيف إلى 28 مليار دولار، فالدعوة المتكررة إلى مضاعفته لن تخفض فجوة التمويل فى المجالات التى نصت عليها أجندة شرم الشيخ للتكيف إلا بمقدار لن يتجاوز 5 فى المائة فقط.وقد برهنت فى أكثر من مناسبة على أن تمويل العمل المناخى، رغم أنه تمويل تنموى بالأساس، ما زال يعانى من حقيقة أنه غير كافٍ فى مجمله المخصص للبلدان النامية، وأنه غير كفء باستغراقه لشهور بل سنوات ليصل إلى مجالات استخدامه، وأنه غير عادل بتركزه فى بلدان دون غيرها، مع ارتفاع تكلفته، وهيمنة الديون على مكوناته، وإهماله لمشروعات التكيف، ومزاحمته للقطاع الخاص فى حالات كثيرة فى مشروعات تخفيف الانبعاثات مثل مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة.وتأتى أهمية التركيز على معضلة التمويل باعتبار أن قمة باكو تحديدًا هى قمة الاتفاق على الهدف الرقمى الجديد لتمويل المناخ. ومن المنتظر أن يتفق المشاركون على هدف محدد لرقم ملزم يوجه لعون البلدان النامية فى جهودها فى العمل المناخى. والرقم المعمول به منذ قمة كوبنهاجن فى 2009 حتى عام 2025 هو 100 مليار دولار. وهو مبلغ قد تآكلت أهميته النسبية المطلقة والنسبية على مدار السنين باعتبارات زيادة تكاليف العمل المناخى، واتساع فجوات الانبعاثات والتكيف، وتحديث تقديرات جديدة للاحتياجات السنوية للتمويل الخارجى بلغت تريليون دولار نصفها من تمويل عام والنصف الآخر من استثمارات خاصة تعتمد فى حشدها على التمويل العام مشاركة وتيسيرًا وضمانًا وتخفيضًا للمخاطر.ويطالب مفاوضو العربية والمجموعة الإفريقية بحشد تمويلى يتراوح بين 1.1 تريليون و1.3 تريليون دولار سنويًا للبلدان النامية حتى عام 2030، على أن يكون منها 440 مليار دولار تمويلاً عامًا ميسرًا. وتتمسك البلدان بموقف تفاوضى يعتبر الـ100 مليار أرضية بسقف لا توحى مؤشرات التفاوض بأنه سيقترب من مطالب البلدان النامية. ويُعتبر التوصل لرقم أقل من 300 مليار محبطًا، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم منذ 2009 وأثرها التراكمى المخفض للقيمة الحقيقية حتى تاريخه. وفى حين يركز بعض المفاوضين على الرقم الجديد، ومصادر جديدة للإسهام فيه، ومجالات استخدامه، فإن هناك ما لا يقل أهمية عن هذا. فمن الأهمية بمكان أن يستفاد من التجربة برمتها منذ الإعلان عنها فى كوبنهاجن، من حيث منهج حساب التدفقات وما يعانى منه من ازدواج محاسبى وتداخل بين ما هو منحة وقرض واستثمار، بما جعل هناك تباينًا ملحوظًا فى التقارير الراصدة لهذه التدفقات. كما ينبغى أن يرصد الأثر المناخى الإيجابى المتحقق من هذا التمويل وكفاءة الاستخدام وفاعليته.تأتى هذه المفاوضات فى أجواء دولية غير مواتية فى ظل حروب مشتعلة وصراعات جيوسياسية تزداد تأججًا واحتدامًا، مع تساؤلات بشأن إمكانية استمرار الولايات المتحدة مستقبلاً فى اتفاق باريس والاتفاقية الإطارية للمناخ، وتجدد الشكوك فى مدى التزام القوى الاقتصادية والصاعدة بتعهداتها المبرمة. تظل قضية المناخ، كسواها من قضايا العمل الدولى المشترك، مسألة معلقة بالاختيارات العامة وأولوياتها، والإرادة السياسية وتوجهاتها، فإن غاب عنها الرشد، وغلبت عليها الشعبوية، أهدرت جهود المصلحين وضيعت إسهامات العلماء والخبراء سدى. وكما جرت العادة يدفع الثمن عموم الناس، حتى تأتى لحظة فارقة يستفيق فيها من تجاهل الأمر على ما يهدد بقاءه نفسه.
مقالات اليوم محمد عبدالمنعم الشاذلي أخى جاوز الظالمون المدى محمد المنشاوي خريطة ترامب لصفقة القرن الجديدة قضايا جندرية تكنولوجيا فى خدمة النساء.. منصات عربية للحد من العنف الرقمى
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك