x قد يعجبك أيضا

مفاهيم القوة فى العلاقات الدولية وتطبيقاتها فى عهد ترامب

السبت 23 أغسطس 2025 - 7:05 م

مع مجىء الرئيس ترامب والسياسات التى ينفذها لفرض وإجبار المنافسين، وحتى الحلفاء والأصدقاء، على تنفيذ ما يراه محققًا للمصالح الأمريكية، بدأ كثير من المتابعين والمتخصصين فى العلاقات الدولية يتساءلون حول تراجع ما يسمى بالقوة الناعمة فى السياسة الأمريكية، لصالح القوة العسكرية وأساليب العقوبات الاقتصادية، لتحقيق مصالح وأهداف سياستها الخارجية. وبدايةً يجب التفرقة بين عدة مفاهيم فى العلاقات الدولية يدركها علماء السياسة والاستراتيجيات القومية، ترتبط جميعها بمفهوم القوة واستخداماتها من دول العالم المختلفة، وهى:


أولا: مفهوم القوة الشاملة للدولة


ويقصد به عادةً كافة إمكانيات الدولة من عناصر عسكرية، واقتصادية، وسياسية، وجغرافية، وحضارية، وسكانية (مثل وزنها الديموجرافى). وهى عناصر أصبحت من الممكن قياسها بشكل تقريبى، وبالتالى وضع ترتيب لهيكل النظام الدولى بناءً على هذه العناصر. ويأتى بالطبع على رأس النظام الدولى، بهذه المعايير، الولايات المتحدة، ويليها بمسافة بعيدة الصين، رغم ما حققته من تقدم اقتصادى، وتطور عسكرى وعلمى، وما لها من وزن ديموجرافى. وتنقسم القوة الشاملة إلى ثلاث قوى فرعية هى: القوة الناعمة والصلبة والذكية.


ثانيًا: القوة الناعمة


وضع هذا المفهوم المفكر وعالم السياسة الأمريكى جوزيف ناى، فى بداية تسعينيات القرن الماضى، ويقصد به عادةً استخدام عناصر القوة التى يمكن توظيفها لتحقيق مصالح الدولة الخارجية والتأثير فى الدول الأخرى، من خلال الجاذبية والإقناع. ومثال ذلك ما تقدمه من مساعدات اقتصادية أو تعليمية أو ثقافية، وما تقدمه جامعاتها من منح دراسية لمواطنى دول أخرى، ودورها فى المنظمات الدولية سواء بالتمويل أو المشاركة الفعالة خدمةً للبشرية، مثل دورها فى منظمة الصحة العالمية، ومساهمتها التمويلية فى منظمة الأمم المتحدة وأنشطتها الإنسانية، وكذلك منظمة اليونسكو ودورها فى الحفاظ على التراث الإنسانى العالمى. أو ما تقدمه فى سياستها حينما تتبنى قيمًا إنسانية عليا كقيمة الحرية أو العدالة وتدافع عنها، وحينما تفتح أبوابها للدارسين من مختلف دول العالم، وتحتضن كل موهبة أو كل إنسان وُلِد على أرضها لكى يحقق «الحلم الأمريكى».


ومن القوة الأمريكية الناعمة كذلك ما تفرزه انتخاباتها الرئاسية من قيادات ذات كاريزما شخصية. ومن التاريخ الحديث يبرز اسم الرئيس كارتر، والرئيس أوباما كقيادات تاريخية؛ فالأول قام بدور بارز فى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والسلام مع مصر، والثانى تحدث كابن مهاجر مسلم إفريقى باحترام للإسلام وللديانات الأخرى، وتمتع بشعبية خارج الولايات المتحدة.


ثالثًا: القوة الصلبة


ويقصد بها العناصر من القوة الشاملة التى تُستخدم فى الإجبار تحت الضغط، ويأتى على رأسها القدرات العسكرية واستخدامها لتحقيق مصالح وأهداف الدولة وحماية أمنها القومى، وتتدرج استخداماتها من مجرد عمليات استخباراتية تخريبية سواء مباشرة أو بتجنيد عناصر داخل الدولة المعنية، إلى القيام بضربات محدودة، ثم أعلى درجاتها الحرب الشاملة.


والقوة العسكرية يمكن، فى نفس الوقت، استخدامها كقوة ناعمة، على سبيل المثال حينما تشارك فى عمليات حفظ السلام أو بناء السلام فى دولة أخرى، ضمن قوات تحت مظلة إقليمية أو أممية. وفى الوقت نفسه، فإن القوة الاقتصادية، رغم أنها قوة ناعمة، يمكن استخدامها فى الإجبار، حينما يتم فرض عقوبات اقتصادية على دولة أخرى، وهو ما يتدرج كذلك من مجرد فرض جمارك على بعض الواردات من الدولة المعنية، أو منع تصدير سلعة معينة إليها، إلى مقاطعة اقتصادية شاملة، إلى حصار اقتصادى شامل. ومن الأمثلة على ذلك العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على إيران بسبب برنامجها النووى، وما فرضوه كذلك على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.


رابعًا: القوة الذكية


ويقصد بها الجمع بين قدرات الدولة الصلبة والناعمة معًا عند تنفيذ السياسة الخارجية مع الدول الأخرى، بطريقة تجمع بين الإجبار تارة، والإقناع والجاذبية تارة أخرى. ومنذ الحرب العالمية الثانية يمكن القول إن السياسة الأمريكية كانت تطبق هذا المفهوم.
السياسة الأمريكية الحالية ومفهوم القوة:


إذا بحثنا فى السياسة الخارجية الأمريكية الحالية منذ مجىء ترامب، سنجد أنها قد بدأت تتخلى صراحةً عن أهم مبدأ مستقر فى ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، وهو مبدأ عدم جواز احتلال أو ضم أى أراضٍ بالقوة المسلحة. فها هو يقود مفاوضات لتسوية الأزمة الأوكرانية تقوم على مبدأ ما يسميه «تبادل الأراضى» بين روسيا وأوكرانيا، ويتم من خلالها تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها التى احتلتها روسيا بالقوة المسلحة.


كما استمرت واشنطن فى التأييد القوى لحكومة إسرائيل المتطرفة، فيما تقترفه ويشاهده العالم على الهواء مباشرةً من جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، وتدعمها عسكريًا وسياسيًا واستخباراتيًا واقتصاديًا، ولم تمارس أى ضغوط حقيقية لوقف إطلاق النار فى غزة. والأكثر من ذلك أنها تدخلت بشكل مباشر فى الحرب الإسرائيلية على إيران، ووجهت ضربات قوية للمفاعلات النووية الإيرانية.


كما لم تعلن رفضها ضم أراضٍ لإسرائيل بالقوة (الضفة الغربية، والتوسع فى الجنوب السورى، واحتلال غزة بالكامل، بل سبق أن صرح ترامب بأن إسرائيل دولة صغيرة!).
أما عن القوة الناعمة، فقد أصدر ترامب، فى 4 فبراير 2025، قرارًا بمراجعة عضوية بلاده فى كافة المنظمات والاتفاقيات الدولية، وبحث إمكانية الانسحاب منها. واللافت لمن يقرأ نص القرار المنشور على الصفحة الرسمية للبيت الأبيض، أن أهم المعايير لوقف تمويل هذه المنظمات والانسحاب من الاتفاقيات الدولية هو معيار «عداء هذه المنظمات لإسرائيل» و«العداء للسامية»، بجانب عبارة عامة هى «المصالح الأمريكية» ومدى إمكانية إصلاح هذه المنظمات.


واتهم القرار، من دون دليل، بعض منظمات الأمم المتحدة صراحةً بالهجوم على حلفائها والعداء للسامية والعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، وخص بالذكر عدة منظمات لها علاقة بالأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومنها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (UNHRC) الذى سبق أن انسحبت منه عام 2018، وكذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، واتهمها بلا دليل – وتماشيًا مع المصالح الإسرائيلية ورؤيتها – بأن بعض موظفيها قد شاركوا فى هجوم السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل. كما هاجم القرار مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، ومنظمة اليونسكو (UNESCO) للتربية والثقافة والعلوم، واتهم الأخيرة بأنها كانت معادية لإسرائيل خلال السنوات العشر الماضية (بسبب تأكيدها على حماية التراث الثقافى والتاريخى الفلسطينى).


والعديد من هذه المنظمات يعتمد فى نسبة كبيرة من تمويله على الولايات المتحدة. كما أوقف تمويل وأنشطة هيئة المساعدات الأمريكية، واتخذ إجراءات مشددة للحد من الهجرة من دول عديدة، كما قام بحملات قاسية لطرد آلاف المهاجرين، وفاجأ العالم أجمع بفرض رسوم جمركية مرتفعة على صادراته للسوق الأمريكية بما يخالف القواعد الدولية لحرية التجارة.


النتيجة النهائية لذلك أننا نشهد مرحلة جديدة فى السياسة الدولية، وخاصة من الدولة المتربعة على هيكل النظام الدولى، يكثر فيها استخدام القوة الصلبة والخشنة عسكريًا واقتصاديًا بهدف الإجبار، وتتراجع فيها أساليب القوة الناعمة بالجاذبية والإقناع والتفاوض، بل قد نشهد تراجعًا شديدًا – بدأت إرهاصاته – بعدم الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية القانونية، لصالح «شرعية القوة» التى تخلق الحق وتحميه.


مساعد وزير الخارجية سابقًا، و عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة