جيوسياسية تقنية «النانو».. الصراع العالمى على مستقبل الصناعات!

الأربعاء 16 يوليه 2025 - 8:55 م

نشر موقع عروبة 22 مقالا للكاتب خالد ميار الإدريسى، يوضح فيه أن تكنولوجيا النانو تعد ثورة علمية وصناعية كبرى، إذ ساهمت فى تحولات استراتيجية فى مجالات متعددة مثل الطب، والصناعة، والعسكرية، مما جعلها محور تنافس عالمى بين القوى الكبرى، فى ظل تحديات أخلاقية وجيوسياسية، مشيرا الكاتب إلى ضرورة سعى الدول العربية إلى التعاون والاستثمار الموحد لمواكبة هذا التحول وتفادى التبعية.. نعرض من المقال ما يلى:

 

 

معلوم أن تكنولوجيا الـ«نانو» هى مجال صراع دولى بامتياز، إذ يتعلق الأمر بتقنية ثورية، تعمل على تغيير مسار الصناعات وحقول عدة. ولقد تحدث عالم الفيزياء ريتشارد فاينمان، فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، عن تقنية النانو، أثناء محاضرة بعنوان «ثمة مجال واسع فى القاع»، وذلك فى أحد لقاءات الجمعية الفيزيائية الأمريكية، فى أواخر الخمسينيات. ونبه فاينمان إلى أهمية علم جديد، وهو «علم الأشياء المتناهية الصغر».
كلمة «نانو»، هى من اللغة اليونانية وتعنى «القزم»، وأصبحت النانو تعبيرا عن النانومتر، أى وحدة الطول للأشياء المتناهية فى الصغر، ولذلك يقول مايكل جيه سايلور وهو من علماء النانو: «عند الحديث عن تكنولوجيا النانو، نشير بذلك إلى أشياء يتراوح حجمها تقريبا ما بين بضعة نانومترات و100 نانومتر. وهذا أصغر على الأقل، بـ500 مرة من سمك شعرة واحدة من شعرك».

امتد تأثير النانو تكنولوجيا إلى مجال الطب، حيث عملت الشركات الكبيرة فى مجال صناعة الأدوية والأجهزة الطبية، على تطوير واختراع آلات ذكية متناهية الصغر، بحيث يمكن توصيل الدواء مباشرة إلى الخلايا المستهدفة، مما يساهم فى تحقيق الفعالية والتقليل من الآثار الجانبية، ومن ذلك معالجة بعض أنواع السرطان، من دون إحداث تلف للخلايا السليمة. ويتوقع الباحثون تطوير هندسة الأنسجة، التى تعمل على ترميم الأنسجة المريضة وإصلاحها وكذلك تجديدها؛ وسيطور مجال مراقبة الأمراض وتشخيصها، عبر ابتكار «آلات ذكية نانونية»، ترصد تشخيص الأمراض، وتطورها.
هناك تطبيقات أخرى لتكنولوجيا النانو فى صناعة الملابس والأغذية والزراعة والبيئة وصناعة السيارات والطائرات والسفن وهندسة البناء، حيث تعمل الشركات على إنتاج مواد صلبة وقوية. كما أن هناك تنافسا كبيرا بين القوى الكبرى، فى تطبيق تكنولوجيا النانو فى الصناعات العسكرية، إذ أكد بعض الدراسات، ومنها دراسة سانجيف تومار، الصادرة عن «معهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندى»، بعنوان «النانو تكنولوجى، المجال الناشئ لمستقبل التنظيمات العسكرية»، على اهتمام 60 دولة بهذا المجال، ومن ضمنها أستراليا والمملكة المتحدة وفرنسا وهونج كونج وسنغافورة وإسرائيل وإيران وتايلاند وتايوان.

هناك ريادة للولايات المتحدة الأمريكية، التى صاغت سياسة حول «النانو تكنولوجى»، بشكل مبكر، إذ خصصت ميزانية كبيرة ما بين 2001 و2013، تجاوزت 17 مليار دولار، لتطوير أبحاث تكنولوجيا النانو. ويحظى «معهد تكنولوجيا النانو للجنود»، بدعم وزارة الدفاع الأمريكية. وتشير تقارير إلى إنفاق البحرية الأمريكية وحدها، ما يقارب 9 مليارات دولار، على مشاريع تقنية النانو العسكرية.
أما الصين، فهى من أسرع الأسواق نموا فى مجال النانو، وتستثمر كثيرا فى المجال العسكرى، ومن ذلك المواد الخارقة، والأقمار الصناعية النانونية، وسترات التخفى، والأسلحة الصغيرة. ومنذ سنة 1989، أسست «مضاعف القوة الذرية»، و«مجهر المسح النفقى»؛ واستطاعت صناعة هياكل النانو، والتى تعتبر أقوى مائة مرة من الفولاذ.
من جهتها، شرعت روسيا فى عهد بوتين، ومنذ عام 2007، فى تخصيص ميزانية للنانو، وتطوير وقود الصواريخ، والزى العسكرى، وتصنيع سترات النانو لطائرات الميج والسوخوى.
وهناك دول أخرى آسيوية، تستثمر فى تقنية النانو وتطبيقاتها العسكرية مثل الهند التى شرعت فى ذلك منذ عام 2001، وباكستان منذ عام 2003، وكوريا الجنوبية التى أطلقت بدورها مبادرة تقنية النانو الوطنية الكورية سنة 2000.
هناك تفاؤل لبعض الخبراء، بخصوص إمكانية استفادة دول العالم الثالث من ثورة النانو، وذلك فى معالجة المياه والبيئة، وتحسين الخدمات الصحية، وزيادة الإنتاج الزراعى. لكن، على الرغم من ذلك، هناك دراسات عدة، ومن ضمنها دراسة لليونسكو تشير إلى اتساع الفجوة بين الدول الكبرى ودول العالم الأخرى، بسبب ثورة النانو والتكنولوجيا الجديدة. فالدول المتقدمة، لديها إمكانيات مالية ضخمة، ولديها قدرة على الاستثمار فى مجال النانو، بينما الدول الصغيرة والمتوسطة ليست لها قدرة على ذلك. كما أن الصناعات الناشئة فى دول العالم الثالث لن تستطيع منافسة التقدم الهائل للصناعات النانونية، وبالتالى سيتم تكريس وضع التبعية والاستهلاك.
من الممكن تقليص الفجوة، إذا اعتمدت دول الجنوب سياسة التعاون والتصدى لمخاطر تقنية النانو. ويتعين على الدول العربية تبنى سياسة موحدة فى هذا المجال، وإنشاء صندوق استثمارى مشترك؛ وتشجيع البحث العلمى فى تقنية النانو. لكن يحذر العلماء من مخاطر النانو، إضافة إلى التحديات الأخلاقية المرتبطة بهذه التكنولوجيا، مما يقتضى التفكير فى ميثاق أخلاقى عالمى لاحتواء مخاطر النانو وتداعياتها الجيوسياسية والجيواقتصادية.

 

النص الأصلى:
https://tinyurl.com/2cftap39

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة