هل تستطيع أن تحصى عدد المحللين الجيوسياسيين والاستراتيجيين العرب فى وسائط التواصل؟ حتى لو حاولتَ عدّهم فلن تحصيهم. هوّن عليك، فبعد الصيحة الطريفة «بن على هرب»، ببضعة أشهر، قال أحد الساخرين: «كان لنا فى تونس عشرة ملايين محلل رياضى، فصار لدينا عشرة ملايين محلل سياسى. ها أنت عرفت الآن من أين تؤكل كتف إحصاء عدد الأفنديّة فى دنيا العرب. لكن، عليك ألّا تبالغ، فالمجموع ليس أربعمائة مليون بالضبط.لا شأن لنا بالأرقام وألاعيبها، فحسبنا أن الانتخابات الرنّانة كان حتى الراحلون يشاركون فى خوض غمارها وشق غبارها. ما يحار الفكر فى فهمه، هو أن هؤلاء الذين ينبتون كالفطر، لا يكاد المرء يسمعهم حتى تعتريه الهلاوس، فيخالط ذهنه أن أكبر أجهزة الاستخبارات، من «سى آى إيه» و«إم آى 6»، وحتى الذين لا يزالون على قيد الحياة من "كى جى بى"الاتحاد السوفييتى، هم جميعًا يعملون لديهم موظفيين، بمثابة الهدهد عند سليمان. هؤلاء أدهى من المفترين على النجوم. فالذين يتخابرون مع الأفلاك والأبراج، مصادر معلوماتهم معروفة مكشوفة، فكل الناس يعرفون الشمس وفراخها فى المنظومة، وما فى الكوكبات وعناقيد المجرّات. أمّا منتحلو الخبرات الجيوسياسية والاستراتيجية، فأنت أمامك حلول أحلاها مرّ: حزّر فزّر، من أين يأتون بكل تلك المعلومات، التى تعجز غربان البين كلها عن الإتيان بمثلها؟ لله درّ الشاعر الذى لم يقل: «إذا أنت لم تشرب من البثّ غثّهُ.. ظمئت، وأيّ البثّ تصفو مشاربهْ؟».وصلنا الآن إلى ما يوجب الاعتذار، فلعلّ تمهيدًا غير هذا كان أنسب، وربما كان أحرى بالقلم إهمال هؤلاء منذ البداية، وتوجيه اللوم والعتاب إلى أساتذة العلوم السياسية والاجتماعية، والباحثين ذوى المكنة والمكانة فى مجالى التحليل الجيوسياسى والجيوستراتيجى، حتى تترشف الجماهير زلالًا سائغًا، بغير خشية من فيروسات أو كيماويات ضارّة. هل ينتظر أهل الاختصاص المقتدرون أوامر من أولى الأمر أم هم يستمرئون تحوّل النكرات إلى معارف فى لمح البصر، وعندها يمتلكون صدقيّة نشر ما يريدون أو يؤمرون بنشره من نذر من قبل أيدٍ خفيّة، لا قدّر الله؟ هذه الأوضاع المعيبة فى وسائط التواصل، دليل قاطع على أن البديل السليم القويم غائب أو قاصر أو مقصّر، وأن العملة الرديئة حالت دون ظهور العملة الجيدة.لزوم ما يلزم: النتيجة التنبيهية: على العاقل تجنّب الشطط، فحاشا أن تكون الشعوب العربية تخلّت عن مسئولياتها فى هذا، وفيما هو أهمّ.
عبداللطيف الزبيدىجريدة الخليج الإماراتية
مقالات اليوم حسن المستكاوي الاتحاد الأوروبى.. رسالة سياسية فى مظروف رياضى! نيفين مسعد مخطوطة ابن الجِروة محمد المنشاوي ترامب وخوف الأمريكيين على ديمقراطيتهم محمد بصل أحلام نتنياهو وكوابيسنا كما رواها المازنى إبراهيم العريس بيروت التونسى وباريس السعودى فى عشية سمك طيبة بالمرسى.. خواطر ذاتية حول روايتى «فى انتظار خبر إن» و«رجل للشتاء» محمد رءوف حامد حركيات الوجدان الدولى الجديد
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك