فوز ترامب والمنتظر من رئاسته الثانية
الثلاثاء 12 نوفمبر 2024 - 7:15 م
حقق ترامب المرشح الجمهورى الرئيس الأمريكى السابق فوزا كبيرا فى الانتخابات الأمريكية التى أجريت على مرحلتين، الأولى الانتخابات المبكرة، أى قبل التاريخ المحدد للانتخابات وأدلى بأصواتهم خلالها نحو 80 مليون ناخب أمريكى، والمرحلة الثانية هى الموعد الرسمى، وهو 5 نوفمبر 2024، والتى تم خلالها استكمال التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ 33 عضوا، وجميع أعضاء مجلس النواب 435 عضوا، و11 حاكم ولاية. وقد حقق الجمهوريون الأغلبية فى مجلس الشيوخ بالفوز بـ52 من 100 عضوا إجمالى الأعضاء، كما حققوا أغلبية فى مجلس النواب والتى تجاوزت 218 عضوا الحد الأدنى للأغلبية. وأصبح لدى الرئيس المنتخب، والذى حصل على الأغلبية الشعبية بالتصويت العام المباشر، وبأغلبية أعضاء المجمع الانتخابى البالغ عدد أعضاؤه 538 عضوا، حيث حصل ترامب على أكثر من 277 صوتا، وأصبح لديه طريق سهل لإصدار القرارات التى تحتاج أغلبية الكونجرس بمجلسيه.
قد ألقت مرشحة الحزب الديمقراطى هاريس المنافسة لترامب خطابا أقرت فيه بفوزه وأنها ستعمل على تسليم السلطة إلى فريقه فى هدوء وسلام، وأبدت الاستعداد للتعاون مع إدارته الجديدة فى المرحلة الانتقالية. وأبدى أعضاء من الحملة الانتخابية لنائبة الرئيس هاريس، أن من أسباب عدم فوزها سياسات الرئيس بايدن، متجاهلين أنها كانت نائبته ومسئولة معه عن كل السياسات الداخلية والخارجية لإدارته، حتى وإن تباينت مواقفهما فى بعض الموضوعات والقضايا.
وألقى ترامب خطابا وسط عائلته وقادة حملته الانتخابية ونائبه، أعلن فيه أنه حقق فوزا عظيما غير مسبوق، وأنه سيجعل أمريكا أعظم دولة فى العالم، ورحب بوحدة الأمريكيين دون أن يوجه انتقادات لأحد، ووعد بمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية مع الاستمرار فى الترحيب بالهجرة الشرعية، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية، ووجه انتقادا لإيران فى إشارة سريعة. وقدم الشكر للشعب الأمريكى على تأييده على المستوى الشعبى معتبرا ذلك دليل محبة له، مؤكدا أن فوزه الكبير لم يكن سهلا بأى حال، وأنه أصبح لديه تفويض من الشعب الأمريكى غير مسبوق، وأنه لن يبدأ أبدا الحروب بل سينهيها، وأن أمريكا تتفوق على روسيا والسعودية فى إنتاج البترول، ونوه إلى أن الصين ليس لديها ما تملكه الولايات المتحدة الأمريكية.
• • •
يمكن رصد العوامل التى أدت إلى خسارة المرشحة الديمقراطية هاريس فيما يلي:
• حالة الارتباك الشديد التى يعانى منها الحزب الديمقراطى والذى استغرق وقتا طويلا لإقناع الرئيس بايدن بالانسحاب من ترشحه لولاية ثانية نظرا لتدهور حالته الصحية، وعند انسحابه لم يتم انتخاب أحد قيادات الحزب القادرة على منافسة المرشح الجمهورى ترامب، وانسحب المرشحون الديمقراطيون الآخرون من قبيل المجاملة لبايدن بعد قراره بترشيح نائبته كامالا هاريس.
• لم يكن أمام هاريس إلا وقت قصير للغاية للقيام بحملتها الانتخابية دون تحضير برنامج فيه اختلافات واضحة عن سياسة بايدن تقدمه للناخبين، وركزت والقائمون على حملتها الانتخابية على الأموال التى جمعتها للحملة فى وقت قصير، وتبنت القضايا التقليدية للحزب الديمقراطى بشأن الرعاية الاجتماعية والصحية، وإباحة الإجهاض تحت انطباع أن هذا قد يؤدى إلى زيادة نسبة النساء المؤيدات لها باعتبارها تهتم كثيرا بشئون المرأة، ووعدت بتحقيق العدالة ومكافحة الجريمة باعتبارها خبيرة قانونية.
• لم يستفد الحزب الديمقراطى من عدم نجاح تجربته السابقة بترشيح هيلارى كلينتون ضد ترامب فى انتخابات 2016 وعدم فوزها، مع الفارق الكبير بين هاريس وهيلارى كلينتون من حيث قوة الشخصية والخبرات فى العمل إلى جانب الرئيس كلينتون على مدى ثمانى سنوات والقيام بمهام أكثر منها مجرد زوجة رئيس، بينما هاريس ليس لديها إنجازات على مستوى الاتحاد الأمريكى، إلى جانب كونها من الأقليات فى المجتمع الأمريكي. لذا، فقد فاز ترامب مرتين على امرأتين، وهو ما يشير إلى أن المجتمع الأمريكى ليس مهيئا بعد لأن ترأسه امرأة، مفضلا رئيسا تطارده العديد من الاتهامات الشخصية والعامة داخليا وخارجيا والتى قررت المحكمة الاتحادية وقف أى إجراء قضائى ضده بعد فوزه بالرئاسة الأمريكية.
• تأييد إدارة بايدن ــ هاريس المبالغ فيه للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان وتحميل دافعى الضرائب الأمريكيين أعباء كبيرة لصالح إسرائيل المتهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، ورفض الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. وتجاهل الإدارة الأمريكية مطالب الأقليات العربية والإسلامية، وطلبة عدد من الجامعات الأمريكية المتميزة، بضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار ورفع الحصار عن قطاع غزة وتقديم المساعدات الإنسانية الكافية، وهو ما أدى إما إلى امتناع هذه الفئات عن التصويت لهاريس، أو اتجاهههم للتصويت لترامب الذى زارهم ووعدهم بإنهاء الحرب فى الشرق الأوسط فى فترة وجيزة عقب فوزه وتوليه الرئاسة رسميا.
• عدم تحقيق إدارة بايدن ــ هاريس إنجازات كبيرة ومتميزة داخليا أو خاريجا وتورط أمريكا فى الحرب الأوكرانية وحرب إسرائيل على غزة ولبنان، وتحميل الخزانة الأمريكية خلال عام واحد مبلغ 120 مليار دولار أمريكى مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، والتناقض بين ما تطالب به الإدارة من احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وتأييدها لإسرائيل التى تنتهك كل هذه المبادئ الإنسانية التى تعد من أسس السياسة الخارجية للحزب الديمقراطى الأمريكي، مما أدى إلى فقدان مصداقية الإدارة الأمريكية.
• رفض ترامب إجراء مناظرة مع هاريس، ودأبه على التقليل من شأنها فى كل مناسبة فى حملته الانتخابية، والتحذير من أن انتخابها سيؤدى إلى كوارث تضر بأمريكا وأنها ليس لديها برنامج اقتصادى وتتهاون مع الهجرة غير الشرعية، وأنها شريكة بايدن فى إدارة وصفها بأنها فاشلة.
• • •
يعود ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد غياب عنها أربع سنوات حدثت خلالها تطورات ومستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية، منها:
• الحرب الروسية الأوكرانية وضلوع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو بطريق غير مباشر وبقوة فى هذه الحرب، مما دعا موسكو إلى إعلان أن الرئيس بوتين لن يهنئ ترامب لأن بلده فى حالة حرب مع روسيا، وإن كان ترك الباب مفتوحا ووصف ترامب بأنه كان رجلا شجاعا عندما تعرض للاغتيال، انتظارا لما سيفعله ترامب لتحقيق قوله بإنهاء هذه الحرب فور توليه السلطة، وكيف سيكون ذلك، هل بالضغط على أوكرانيا أو بوقف الدعم لها، وما هى شروط التسوية مع تمسك روسيا بأنها استردت أراضيها من أوكرانيا. وكيف سيكون موقف الدول الأوروبية التى استقبل معظمها فوز ترامب بفتور أو بتحفظات بحكم تجاربهم معه فى فترة حكمه الأولى.
• أما بالنسبة للصين، فقد أصبحت قوة اقتصادية عالمية كبيرة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على المركز الأول اقتصاديا، كما أن لديها أنياب عسكرية قوية للدفاع عن مصالحها ومجالها الحيوى فى الشرق الأقصى، وأصبح لها دور اقتصادى وتجارى واستثمار فى منطقة الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة. ولم يعد من المصلحة الأمريكية أن يبارزها ترامب تجاريا كما فعل فى رئاسته الأولى.
• عندما قرر ترامب الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى مع إيران كانت علاقات طهران مقطوعة مع السعودية ومتوترة مع دول الخليج أو معظمها. أما الآن، فقد أعيدت العلاقات وجميع الاتفاقات مع السعودية ودول الخليج العربية، ولم تعد إيران فزاعة تستخدمها واشنطن ضدهم. كما أن انضمام إيران لتجمع البريكس يخفف كثيرا من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، إلى جانب رغبة الرئيس الإيرانى الجديد فى فتح حوار مع واشنطن بضوء أخضر من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
• لم تعد عملية التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وغيرها وفقا للاتفاقات الإبراهيمية التى تبناها ترامب فى فترة حكمه الأولى ممكنة بنفس السهولة الآن نتيجة لما ارتكبته إسرائيل من جرائم فى قطاع غزة وفى لبنان والتنديد العربى والإسلامى والعالمى بهذه الجرائم. ولم تعد مساومة السعودية والدول العربية على تطبيق صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية وفقا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية ممكنة الآن دون الاتفاق على تحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967، وليس مجرد هياكل دولة.
• ليس سرا دعم ترامب القوى لإسرائيل وصداقته مع نتنياهو، وسبق أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترف بها عاصمة دائمة لإسرائيل، وأقر بسيطرة إسرائيل على الجولان السورية، وأوقف التمويل الأمريكى للأونروا وطالب بتصفيتها، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، وأوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية. كما أعلن ترامب فى حملته الانتخابية الأخيرة أنه يرى أن إسرائيل حجمها صغير جدا وأنه سيساعد فى تكبيرها. وأنه سينهى الحرب فى الشرق الأوسط. فهل سيكون ذلك على حساب الشعب الفلسطينى ولبنان بضم أراضى جديدة لإسرائيل؟ أم سيكون بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب والبدء فى مفاوضات حل الدولتين؟ موقف يثير المخاوف ويتطلب متابعة وموقفا عربيا واضحا وقويا يحافظ على حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.
تتوقف كل هذه القضايا والأزمات على مدى استفادة ترامب من ممارساته فى رئاسته الأولى والتى لقيت معارضة شديدة واستياء واسعا. وهل عودته هذه المرة بنفس عقلية رجل الأعمال رئيس مجلس الإدارة صاحب الشركة، أم بعقلية رئيس دولة كبيرة عليها مسئوليات دولية متعددة؟ وهل سيكون فريق العمل معه من وزراء ومستشارين تغلب عليه السمات العائلية والصداقة، أم من الخبراء الذين يستمع إليهم، وسبق أن صرح ترامب بأنه لن يشرك أحدا من أفراد أسرته فى السلطة هذه المرة، وينتظر أن يتضح الوضع أكثر فى الأيام القليلة القادمة؟
مساعد وزير الخارجية الأسبق
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا