هل من جامع بين التاريخ والجغرافيا اللذين يبدوان، فى الظاهر، مجالين مختلفين؟ من تستهويهم دراسة التاريخ والتخصص فيه لا يكونون فى العادة شغوفين بالجغرافيا التى يرونها بعيدة عن حقل اهتمامهم والعكس صحيح أيضًا، ففى حين يهتمّ علم الجغرافيا بدراسة سطح الأرض والظواهر الطبيعية وبالموقع والامتداد والتضاريس وما إليها من أمور وظواهر ذات صلة، فإن علم التاريخ يهتم بدراسة الماضى الإنسانى وما شهده من أحداث ووقائع وتقصى أسبابها وكذلك ما أفضت إليه من نتائج بالاعتماد على الوثائق والمخطوطات وحتى الشهادات الشفوية.
ما يبدوان حقلين أو مجالين مختلفين قد يلتقيان فى أمور معينة على أيدى باحثين معنيين بتقديم ما يُعدُّ رؤية بانورامية لما مرَّ بالعالم وما سيمرُّ به فى المستقبل، هاهو الفرنسى كريستان جراتالو فى كتابه «هل يجب التفكير فى تاريخ العالم بطريقة أخرى؟»، الذى وضع الهادى التيمومى ترجمة عربية له، يحكى لنا أن أحد أساتذته الجامعيين يلخص الجغرافيا فى السؤال «أين؟»، كى يصل إلى خلاصة تشرح: «لماذا هنا وليس فى مكانٍ آخر؟»، فعلى الجغرافى أن يجيب عن السؤال اللاحق، غير مكتفٍ بتحديد المكان وإنما لتبيان السبب الذى حدد طبيعة هذا المكان.لم يقف جراتالو عند سؤال معلمه الجامعى فى الجغرافيا: «أين؟ ولماذا هنا بالذات؟»، وإنما عقد ما يشبه المقابلة بين الجغرافيا والتاريخ، فإذا كان سؤال الجغرافيا هو «أين؟»، فإن سؤال التاريخ يجب أن يكون «متى؟» ومن «متى؟»، هنا ينشأ سؤال: لماذا فى هذه الحقبة بالذات وليس فى سواها، قبلها أو بعدها؟ وبناءً عليه، حاول المؤلف أن يجعل هدف كتابه المشار إليه الجمع بين الإجابة عن السؤالين: سؤال الجغرافيا وسؤال التاريخ، مُوحِّدًا إياهما فى السؤال المركب التالى: «لماذا هنا وفى تلك اللحظة وليس فى مكان آخر ولحظة أخرى؟».وإذا كانت الجغرافيا هى ما وزع البلدان على كوكب الأرض وفق حساب خارج عن إرادة البشر وعن قدراتهم فى التحكّم، فإن البشر هم من صنع التاريخ بكل متناقضاته.لا يصحُّ الحديث عن المختلف والمؤتلف بين التاريخ والجغرافيا دون أن نقف عند الباحث المصرى الكبير الراحل جمال حمدان، صاحب المقولة الشهيرة: «الجغرافيا تاريخ ساكن، والتاريخ جغرافيا متحركة»، وبهذه العبارة لخّص حمدان الأمر ببلاغة، هو الذى نجح فى جعل أنهار الحياة تتدفق فى شرايين الجغرافيا، فلم تعد مجرد علم جامد يهتم بالتضاريس، وإنما رآها علمًا وثيق الصلة بالتاريخ والسياسة، فالجغرافيا هى الأخرى تصنع الأدوار وليس التاريخ وحده وتسهم فى صنع الحضارات أو بالعكس فى خرابها، فلا تصحّ دراسة تاريخ المجتمعات ومعرفته دون الوقوف على أثر الموقع فى تشكيل صورتها وسمات أهلها وفى تفاصيل التاريخ الذى صنعوه.
مقالات اليوم حسن المستكاوي مواهب كوكب اليابان عماد الدين حسين كل احتلال مصيره إلى زوال داليا شمس حلم الديكتاتور وكذبه أحمد عبدربه دولتنا لا ينبغى أن تسيطر على غزة أبدًا! محمود عبد الشكور «القفزة» التى استعادت الحياة! إيهاب الملاح عن «وزير ثقافة» مصر فى الستينيات صحافة عالمية خطر الصديق الرقمي على عقولنا قضايا مجتمعية نحن بؤساء
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك