غبت عن الكتابة فى السياسة شهرا عامدا متعمدا. غبت عن الكتابة ولم أغب عن السياسة. عشت شهرا أتابع أنواعا من السياسة لم ألحظ لها مثيلا على امتداد عمر لا شك صار مديدا. عشت شهرا أناقش بينى وبين نفسى أو بينى وبين أقران مارسوا السياسة أو الدبلوماسية عمرا أو عقودا فى العمر، أناقش ما كان يجمع ويفرق بيننا، أنا ونفسى أو أنا وأقرانى، نناقش الشرق الأوسط الذى نعيش فيه، نقارن خرائطه الأحدث بخرائط رسمها الأقدمون، وخرائط رسمناها وقد استعرنا حدودها وخطوطها ومعانيها من أحلامنا، وخرائط بالعشرات من رسم كل عابر سبيل.• • •ضع الخرائط جانبا فهمّها صار أكبر من قدرتنا على تحمل هموم جديدة. قابلتنى عند عودتى من الاستراحة موجات عاتية من قلق عام وقلق فردى وقلق رسمى وقلق إعلامى. لا أظن أنى مررت خلال مراحل عمرى بحال كتلك الحال التى أجد فيها نفسى مع آخرين فى الشرق الأوسط. رحت وراح ظنى يبحثان عن سبب أو تبرير. لعله الاقتصاد بعد أن صار هو نفسه عنوانا لأزمة ترفض أن تغادر. مصدر هذه الأزمة ندرة قصوى فى مكامن الثروة أو طفرة قصوى فيها. كلا المصدرين أبدعا فى غواية دول وجماعات وأشخاص من خارج الشرق الأوسط لغزوه من جديد فعلا أو قولا أو كلاهما معا. • • •ضع أيضا الاقتصاد جانبا كسبب من أسباب القلق السائد فكثير من هذا الاقتصاد، نادرة مصادره الطبيعية أو وفيرة، يخضع لمؤثرات خارجية. نغفل أو نتغافل عن عنصر الفوضى الضاربة فى النظام الدولى وبخاصة تلك الضاربة فى منظومة قواعده وأخلاقياته وفى مواثيقه. أذكر كيف كنا نثق فى فعاليات وقدرات مجلس الأمن على سبيل المثال، وأعرف إلى أى حد لم تعد له هيبة كانت له بخاصة ولمؤسسات أممية أخرى بشكل عام. كان له دور أشبه بدور ضابط الإيقاع فى فرقة موسيقية تعزف لحنا حسب قواعد مرسومة وواضحة. يزعجنى أننى صرت أجد له شبهها عند «عسكرى الدورية» فى حينا القديم قبل أن تصل إلينا عربة الأمن المتجولة. كانت صرخته كافية لتبعث فى نفوس أهلى الشعور بالأمان قبل أن تصبح هذه الصرخة عند أطفال الحى، وأنا منهم، موضوع سخرية أو علامة بائدة من عصر انتهى إلى غير عودة.• • •أجد صعبا ومرهقا تحميل مسئولية الفوضى الدولية لكيان نحن وغيرنا من البشر صنعناه واخترنا أن نهدمه عندما بلغ الثمانين من عمره. هذا بالضبط ما كانوا يفعلون بالمواطنين المسنين فى أزمنة القمع والاستبداد. كانوا يعتقدون أن المسنين أدوا واجبهم وأنهوا دورهم وحان وقت الاستغناء عنهم خاصة وقد أصبحوا مصدر إزعاج بسبب معتقداتهم وحاجاتهم ولأنهم دون أن يعلنوا صاروا يذكرون المواطنين بماضٍ أفضل. نتصرف جميعا، نحن دول وشعوب جنوب العالم، مع مجلس الأمن باعتباره صاحب الهيبة القديمة، بينما تتصرف معه الدول الكبرى، وبخاصة الدولة الأعظم، باعتباره كيانا مسنا يطرق أبواب نهاية دوره.• • •أعترف أننا قبل عقود لم يخطر على بالنا، إلا ربما على مستوى اهتماماتنا النظرية، أننا سوف نعيش لنشهد أفول النظام الدولى كما عرفناه، ولنشهد انحدارا متسارعا لمكانة الدولة الأعظم فى النظام القديم وصعودا متسارعا لمكانة الصين. لم يسفر سباق الهيبة حتى الآن، وبخاصة تداعياته الراهنة على صعيد العلاقات الدولية عموما، عن أى تقدم أخلاقى أو عن قواعد وقيم جديدة تبشر بنهاية قريبة للضائقة الدولية الراهنة. • • •تنطلق شهاداتى وملاحظاتى من موقعى فى جنوب العالم وبالذات فى الشرق الأوسط. أشهد أن لا إقليم فى العالم عانى نكبات بحجم ووحشية ما عاناه الشرق الأوسط خلال عامين أو أكثر من عمر الفوضى العالمية الراهنة. تابعنا اهتمام الباحثين المرموقين. لم يحدث فى إقليم جنوب شرقى آسيا ولا فى إفريقيا جنوب الصحراء ولا فى أمريكا الجنوبية ولا فى الإقليم الأوروبى مشكلة بحجم المشكلة المتعددة الأوجه والكوارث والهيبات الساقطة والانفجارات العنيفة وقتلى الأطفال بعد تجويعهم والحصار المجنون وتصدع منظومة الغرب وانهيار سمعته الحضارية، أقصد مشكلة الشرق الأوسط.• • •لا نظام إقليميا خارج الشرق الأوسط تعرض فى زمن هذه الفوضى العالمية لخطر انفراط مثلما وقع للنظام الإقليمى العربى، أقدم النظم الإقليمية على الإطلاق وأقربها، نظريا، لفرص تحقيق الاندماج الاقتصادى والسياسى والأمنى. لماذا عادوا يفرضون الجزية على أمتنا العربية حتى بعد أن صارت الجزية نسيا منسيا؟ لماذا كُتب علينا القتال أو الاستعداد له بينما فى الأقاليم الأخرى يستعدون للتنمية بعد أن تخلصوا من الاحتلال الأجنبى؟. لماذا نقبل أن يفرض على جميع دول الإقليم سلام هو والاحتلال شىء واحد؟ لماذا نقبل استقبال مبعوثين هم فى غالبيتهم العظمى يدينون بعقائد خصوم الأمة، ونقبل استقبال وسطاء لتسوية صراع هم أنفسهم أطراف فيه؟ لماذا نشارك الأعداء فى خطط خلط الأمور والمسميات، لماذا لا نواصل تمسكنا بقيم نضالنا حين كانت المقاومة ضد الاحتلال البريطانى أو الفرنسى أو الإيطالى شرف لا يعادله شرف وطنى آخر؟ • • •عادوا وعدنا. عادوا يسموننا بأسماء أقلياتنا وعدنا نقبل. رضينا ذات يوم بأولوية القطر إرضاء لفئة أو أخرى وطمعا فى تهدئة مخاوف الأقلية واقتناعا بتجارب من سبقونا فى أوروبا وغيرها نحو بناء الأمة الواحدة الناطقة بلغة أبنائها والحامية لتطلعاتهم. عادوا يقولون سوريا ليست واحدة لكل أقلياتها وعدنا نرفض قولا ونقبل أو نصمت فعلا. أمامنا سوريا تمزقها إسرائيل علنا وجهارا وبعض العرب ربما كانوا فى انتظار تركيا على أمل أن تعود سوريا موحدة على أيدى السيد إردوجان.• • •عادوا يسخرون منا فى مناقشاتهم بالكنيسيت وعلى صفحات صحفهم وعلى شبكات إذاعاتهم، وعدنا نتحدث ونكتب ونخطب عن فارق التسلح والتزام أمريكا وبخاصة الرئيس ترامب الدفاع عن إسرائيل البريئة دائما من اتهامات العرب وبخاصة من تهمتى الإبادة والتجويع والاتهامات بالتوسع والتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية والنية المبيتة، ولكن المعلنة، لإقامة نظام هيمنة إسرائيلية يغطى الشرق الأوسط كاملا.عادوا وعدنا، واختلط الحابل بالنابل ولعله، أى هذا الخليط أو هذه الخلطة، وراء بعض خشيتى على مستقبل الأيام القليلة المقبلة.
مقالات اليوم حسن المستكاوي معايير قوة مسابقة الدورى عماد الدين حسين المسئول.. وفضيلة التواضع والحميمية أشرف البربرى الحق فى المقاومة أمن قومى للشعوب خالد محمود صمت النجوم.. حين يخذل المشاهير الإنسانية فى غزة علي محمد فخرو هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة قضايا اقتصادية عودة «باليساديس».. عصر جديد للطاقة النووية فى أمريكا صحافة عربية النوم فى الفريزر! من الصحافة الإسرائيلية هل يستعد حزب الله لاستئناف المواجهة العسكرية مع إسرائيل؟
قد يعجبك أيضا