الصحفي الصعيدي وبنت الأكابر

الأحد 6 يوليه 2025 - 6:15 م

فى عام ألف وتسعمائة وأربعة، كانت مصر على موعد مع معركة حامية، لم تكن معركة حربية، وإن استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة، ولم تكن معركة سياسية، وإن شهدت استقطابًا حادًا داخل صفوف النخبة السياسية فى مصر، ولم تكن كذلك معركة فكرية، وإن دارت رحاها فأدخلت غالبية كتاب ومفكرى هذه المرحلة فى أتونها.

المعركة ببساطة كانت معركة زواج، نعم كانت معركة زواج بطلاها: العريس الشيخ على يوسف الصحفى والسياسى الشهير صاحب ورئيس تحرير صحيفة المؤيد، ورئيس حزب الإصلاح الدستورى الذى كان واحدًا من ثلاثة أحزاب فى مصر فى ذلك الوقت، والعروسة: صفية بنت الشيخ السادات الشريفة بنت الحسب والنسب. 

تبدأ وقائع المعركة حين وقع الشيخ على يوسف فى غرام الست صفية التى كان قد رآها فى عدد من المناسبات، وعلم أنها قد نالت قسطًا من التعليم والثقافة، فقرر أن يتقدم لخطبتها، وظن أن مكانته الأدبية والسياسية ستشفع له عند أبيها، لكن هذا لم يحدث، إذ رفض الشيخ السادات أن تتزوج ابنته، ذات الحسب والنسب من رجل صعيدى يعمل بالصحافة، لكنه وبعد إلحاح الشيخ على يوسف فى الطلب، وشفاعة البعض من كبار رجال الدولة، قبل بالخطبة على مضض، لكنه ظل يماطل فى إتمام الزواج لنحو أربع سنوات، الأمر الذى أثار استياء وغضب العريس والعروسة، فتفتق ذهن الشيخ على يوسف وخطيبته صفية عن فكرة إتمام الزواج من خلف ظهر الأب، وبالفعل تمت مراسم عقد القران فى بيت السيد البكرى، وكان من أقارب الشيخ السادات، دون حضور الأب، لكن فى حضور عدد من المشايخ والأعيان، وتم الزفاف.

وفى اليوم التالى علم الأب بخبر الزواج من صحيفة المقطم التى كانت تابعة للاحتلال البريطانى، وتناصب الشيخ على يوسف وصحيفته العداء. فهاج وماج وقرر رفع دعوى أمام المحكمة الشرعية لفسخ عقد الزواج، بزعم عدم التكافؤ بينه وهو الشريف ابن الحسب والنسب الذى يمتد للبيت النبوى، وبين العريس، واستند فى دعواه إلى عدم التكافؤ من ناحيتين: الناحية الأولى ناحية النسب والأصل، حيث لا وجه للمقارنة بين بيت السادات، وبين على يوسف، والناحية الثانية هى ناحية "الحِرفة" حيث يعمل على يوسف بمهنة الجرائد التى هى كما قال فى دعواه: «أحقر الحرف وعار وشنار عليه». 

وانقسمت النخبة المصرية بين مؤيد للشيخ على يوسف وهم أصدقاؤه من المثقفين والمستنيرين الذين رأوا أن ما صنعه على يوسف لا غبار عليه وأنه بالقطع كفء لابنة الشيخ السادات، كما ضم هذا الفريق عددًا من السياسيين ورجال الدولة، وعلى رأسهم الخديو عباس حلمى، الذى كان من أصدقاء الشيخ على يوسف. 

أما من وقف داعمًا للشيخ السادات فى مواجهة الشيخ على يوسف فقد كانوا بالطبع أعداءه من السياسيين الذين وجدوا فى حادثة الزواج فرصة مواتية للهجوم على الرجل، وكذلك وقف إلى جوار الشيخ السادات عدد من الشيوخ وقيادات الطرق الصوفية، بل كان غالبية المصريين الذى تابعوا تفاصيل القضية ينحازون لموقف الشيخ السادات. 

وبغض النظر عن تفاصيل القضية التى انتهت بحكم التفريق بين الزوجين، وبغض النظر عن قبول الأب بعد التفريق بأن تتزوج ابنته من الشيخ على يوسف، وبغض النظر أيضًا عن النكد الذى شهده الشيخ على يوسف من زوجته صفية السادات بعد الزواج حتى توفى حزينًا.

أقول بغض النظر عن كل هذا، فقد كشفت هذه المعركة عن جانب مهم من طبيعة المجتمع المصرى فى هذه الفترة، فعلى الرغم من أن مصر كانت تشهد تطورًا مهمًا فى بنيتها الفكرية والثقافية ونخبتها السياسية فإن النسيج المجتمعى كان رجعيًا بامتياز، وهو أمر لا أعتقد أنه قد تغير كثيرًا رغم مرور نحو مئة وعشرين عامًا على واقعة الزواج تلك، وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال المركزى عن مضامين النهضة والحداثة فى مصر وعلاقتها بالسياق الاقتصادى والاجتماعى الحاكم للعلاقات بين عناصر المجتمع من ناحية وعلاقتها مع السلطة الحاكمة من ناحية أخرى.

ولهذا حديث آخر نكمله فى الأسبوع المقبل.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة