فى عصر الذكاء الاصطناعى ميتا تدخل السباق.. هل يعيد زوكربيرج تشكيل المشهد؟
الأحد 24 أغسطس 2025 - 7:20 م
على مدى السنين القليلة الماضية كان التنافس على أشده فى مجال الذكاء الاصطناعى بين شركتى أوبن إيه أى وجوجل الأمريكتين. وسوف أركز حديثى هنا عن الولايات المتحدة الأمريكية، ولن أتطرق إلى اللاعب العملاق الأكبر فى الشرق وأعنى الصين. فعلى مدار السنوات الماضية، ومنذ بداية هذا القرن -وقبل أن تظهر شركة «أوبن إيه أى» للوجود عام 2015 - سارعت صناعة تكنولوجيا المعلومات إلى تبنى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى ورصدت له الميزانيات الضخمة ووفرت التمويل اللازم لأبحاث تطويره. وكانت شركة «جوجل» صاحبة المحرك الأشهر فى هذا الوقت فى مقدمة تلك الشركات ومن أوائل من ساهموا فى هذا الزخم. ففى مقابلة إعلامية لــلسيد «لارى بيج» أحد مؤسسى جوجل فى أكتوبر عام 2000 قال متحدثًا عن أهمية هذه التقنية «سيكون الذكاء الاصطناعى هو الإصدار النهائى من محرك البحث جوجل، سوف يمكنه فهم كل شىء على الويب، سوف يدرك بالضبط ما تريده، وسيمنحك الشىء الصحيح. نحن الآن لسنا قريبين من القيام بذلك، ومع هذا يمكننا الاقتراب بشكل تدريجى وهو أساسًا ما نعمل عليه». وكمتابع لست متأكدًا أنه عندما أدلى لارى بيج بهذا التصريح كان يتخيل تطبيق «Gemini» الذى جسّد خياله فى هذا الوقت وطورته شركة جوجل استنادًا إلى نموذج اللغة الكبير (LLM) الذى يحمل نفس الاسم، وتم إطلاقه فى فبراير 2024.
• • •
ولتوضيح البيئة الحالية لهذا التنافس، وتفسير التطور الملحوظ لشركة أوبن إيه أى التى أُنشئت كمؤسسة غير ربحية على يد إيلون ماسك وسام ألتمان وآخرين، بهدف تطوير ذكاء اصطناعى آمن ومفتوح المصدر لصالح البشرية، كانت المحطة الأبرز فى بداياتها عام 2017 بتطوير أول نموذج لغوى كبير (GPT-1) مستخدمةً تقنية «المحول Transformer»، الذى هو أصلا من إنتاج إحدى شركات جوجل. وكانت النقطة المفصلية فى تطوّر هذه النماذج حينما نشرت مجموعة بحثية بقيادة العالم الهندى الأصل أشيش فاسوانى (Ashish Vaswani)، من شركة Google Brain، ورقة علمية غيّرت مسار أبحاث الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال، حيث ابتكرت تقنية الـ «Transformer» وقدمتها فى الورقة البحثية الشهيرة بعنوان: «Attention is All You Need»، وشكّلت هذه الورقة انطلاقة حقيقية لعصر جديد من النماذج اللغوية، حيث وضعت الأساس الرياضى والتقنى الذى بُنيت عليه معظم النماذج المتقدمة اليوم، مثل «تشات جى بى تى» وغيرها.
أما تاريخ التحول الجذرى فى انطلاق شركة أوبن إيه أى فكان يوليو 2019، عندما أُعلن عن الشراكة الاستراتيجية مع شركة مايكروسوفت العملاقة التى استثمرت مليار دولار لدعم البنية السحابية التى تساعد أوبن إيه أى على تطوير تقنياتها، ثم تلتها بعد ذلك استثمارات تتعدى العشرة مليارات دولار، ويتحدثون الآن عن 40 مليارًا تنتظر أوبن إيه أى من مايكروسوفت لو وافقت على شروط عقدها الجديد.
• • •
لكن يبدو أن هذا المجال لن ينعم بالاستقرار حتى فى بيئته التنافسية الحالية الشرسة، حيث فوجئ الجميع بظهور اللاعب الجديد مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذى لشركة ميتا فى آخر شهر يوليو الماضى ليعلن عن دخوله حلبة التنافس مع جوجل وأوبن إيه أى، ولكن برؤية مختلفة للذكاء الاصطناعى فتحدث عن «ذكاء شخصى خارق» يساعد الناس على تحقيق أهدافهم الفردية. وقال فى منشور على مدونته يوم الأربعاء 30 يوليو الماضى: «أنا متفائل للغاية بأن الذكاء الخارق (Superintelligence) سيساعد البشرية على تسريع وتيرة تقدمنا. ولكن ربما الأهم من ذلك هو أن الذكاء الخارق لديه القدرة على بدء حقبة جديدة من التمكين الشخصى، حيث سيتمتع الناس بقدرة أكبر على تحسين العالم فى الاتجاهات التى يختارونها».
وتُعرّف ميتا الذكاء الخارق بأنه ذكاء اصطناعى يُعلّم نفسه ويتجاوز الإدراك البشرى، مما قد يُساعد الناس على حل المشكلات المعقدة. واتضح أن اهتمام زوكربيرج بهذا المجال ليس وليد الظروف الحالية بل قديم قدم أيام دراسته عندما كان طالبًا فى جامعة هارفارد، فكتب زوكربيرج، الذى شارك فى تأسيس فيسبوك عام ٢٠٠٤: «مع أن الوفرة التى قد يُنتجها الذكاء الاصطناعى قد تكون عميقة يومًا ما، إلا أن تأثيرًا أكثر أهمية على حياتنا سينشأ على الأرجح من امتلاك كل شخص لذكاء شخصى خارق يُساعده على تحقيق أهدافه، وخلق ما يطمح إليه فى العالم، وخوض أى مغامرة، وأن يكون صديقًا أفضل لمن يهتم لأمرهم، وأن يتطور ليصبح الشخص الذى يطمح إليه».
وفى سبيل ذلك رصد المليارات من الدولارات لدخول حلبة السباق وركّز على استقطاب العناصر البشرية من الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال على مستوى العالم، فحاول أولا استقطاب إيليا سوتسكيفر أحد أبرز مؤسسى أوبن إيه أى، وبدأها بأن حاول الاستحواذ على شركة Safe Superintelligence (SSI)، التى أسسها سوتسكيفر بعد مغادرته أوبن إيه أى، بقيمة تقدر بـ32 مليار دولار. ورُفض العرض من قبل سوتسكيفر مُفضلا الحفاظ على استقلالية الشركة ورؤيتها الخاصة فى تطوير الذكاء الفائق الآمن. بعد الرفض، اتجه زوكربيرج إلى استراتيجية بديلة باستقطاب مؤسسى الشركة ونجح فى استقطاب دانييل جروس - أحد مؤسسى SSI والمدير التنفيذى - للانضمام إلى ميتا، ونجح فى ذلك. بعد رحيل جروس، أعلن إيليا سوتسكيفر تولّيه رسميا منصب الرئيس التنفيذى لـ(SSI) ، مؤكدًا استمرار فريق العمل تحت قيادته وبهدف متابعة تطوير الذكاء الفائق بشكل آمن ومستقل. وتأتى هذه الخطوة ضمن حملة ضخمة أطلقتها ميتا لبناء فريق متميز للذكاء الاصطناعى، كجزء من مبادراتها لمواجهة تخلفها فى سباق «Artificial General Intelligence» أمام أوبن إيه أى وجوجل ورافق هذه الحملة إعادة هيكلة لفروع الذكاء الاصطناعى فى الشركة.
بعدها، حاول زوكربيرج، شخصيًا، استقطاب العبقرى الشاب أندرو تولوش خريج جامعة كامبريدج، والمؤسس المشارك لشركة الذكاء الاصطناعى الناشئة «ثينكينج ماشينز لاب Thinking Machines Lab»، بعرض مالى ضخم قدره 1.5 مليار دولار على مدى ست سنوات، وفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال». لكن تولوش، الباحث السابق فى كلٍّ من ميتا وأوبن إيه آى، رفض العرض. جاء هذا العرض بعد فترة وجيزة من فشل محاولة ميتا للاستحواذ على «ثينكينج ماشينز لاب» بقيمة مليار دولار، بعد هذا الرفض، ورد أن زوكربيرج شنّ حملة استحواذ شاملة، استهدفت أكثر من اثنى عشر موظفًا من أصل 50 موظفًا فى هذه الشركة الناشئة.
• • •
مما سبق نستطيع أن نستخلص أن الأشهر القليلة القادمة ستشهد صراعًا محمومًا ومستمرًا على استقطاب الكفاءات المتخصصة فى تقنيات الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم بكل درجاته وفروعه وأن الأرقام التى يتم تداولها الآن فى هذا المجال غير مسبوقة ومرشحة للزيادة مدفوعةً بالطلب الهائل وشدة التنافس فى هذا المشهد العالمى سريع التغير، فأين نحن من كل هذا؟ وما الأرقام الدالة عالميًا؟، وأخيرًا ما هو الدور الذى يمكن أن تلعبه قدراتنا البشرية فى هذا المجال الآن؟
وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا