الفضول وولادة الإبداع
الأحد 24 أغسطس 2025 - 7:20 م
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتبة شيماء المرزوقى تؤكد فيه أن الفضول ليس سلوكا سلبيا كما يُنظر إليه عادة، بل هو طاقة معرفية وبيولوجية أساسية تدفع الإنسان إلى التعلم والاكتشاف والابتكار، وهو المحرك الرئيس لتطور البشرية، مما يستدعى إعادة تقييم دور الفضول فى التربية والعمل وتنميته بدلا من كبته.. نعرض من المقال ما يلى:
من الأمور الشائعة النظر إلى الفضول، وكأنه سلوك سلبى، قد يكون سبب هذه النظرة جوانب تتعلق بوظيفة الفضول التى تقوم على التساؤل والتقصى والبحث، وهو بطبيعة الحال مرفوض اجتماعيا، لكن لا ينحصر الفضول فى هذا الجانب، بل أوسع وأهم من هذا التأطير، إنه ليس مجرد رغبة عابرة فى طرح الأسئلة، بل هو طاقة داخلية تحرك عملية التعلم والاكتشاف لدينا ومن دون الفضول ما كان الإنسان ليكتشف النار مثلا، أو يبحر فى عمق المجهول، والذى بطبيعة الحال يكون مبهما وغير مفهوم، أو يرسل مركبات إلى الفضاء. يعدُّ الفضول الشرارة الأولى لكل رحلة معرفية، وهو ما يجعلنا نبحث باستمرار عن أسباب حدوث الأشياء.
الأبحاث الحديثة تكشف أن الفضول لا يقتصر على تحفيز التعلم فقط، بل يؤثر أيضا فى الدماغ. وفق دراسة تم نشرها عام 2014 فى مجلة الخلية العصبية، أجرى الباحث ماتياس جرابر من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، تجربة أظهرت أن الفضول ينشط فى مناطق الدماغ المسئولة عن المكافأة، عندما يكون الإنسان فضوليا تجاه موضوع ما، فإن دماغه لا يتذكر تلك المعلومة فقط، بل يميل إلى تذكر المعلومات الأخرى التى يمر عليها فى المدة الزمنية نفسها. وكأن الفضول يفتح «بوابة تعلم» تزيد من استعداد الدماغ لاستيعاب المعرفة. هذه النتائج تضع الفضول فى مستوى أعلى أمامنا، ليس كشىء تربوى فقط، بل أيضا كشىء بيولوجى بداخلنا يحثنا على ضرورة التعلم. مثلا فى بيئة العمل والتعليم، يمكن أن يكون استخدام الفضول وسيلة قوية لتعزيز الأداء. مثلا عندما يقوم أحدهم بتقديم الدرس أو المشروع على شكل لغز أو تحدٍّ، فإن الفضول يجعل الطالب أو الموظف أكثر بحثا واندماجا واستيعابا. لذلك نجد أن أعظم المبتكرين فى التاريخ لم يكونوا أذكياء فقط، بل فضوليين جدا.
الفضول ليس مجرد صفة مميزة، بل محرك أساسى أسهم فى تطور البشرية، هو القوة التى تجعلنا نبحث عن إجابات، ونواصل التعلم حتى بعد انتهاء وقت الحصة الدراسية. ربما علينا أن نعيد النظر فى الطريقة التى نربى بها أطفالنا، وندير بها بيئات عملنا، بحيث نحتفى بالفضول بدلا من كبته وإلغائه، أو حتى تجريمه. ففى النهاية لا يولد الإبداع من المعرفة فقط، بل من التساؤل المستمر عن المجهول.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا